هذه سلسلة حلقات بعنوان إضاءة قرآنية للباحث القرآني خادم العترة الهادية
نضعها لكم لما فيها من فوائد علمية قيمة
إضاءة قرآنية رقم ١
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فما فوقها)
البقرة ٢٦
التفسير
إن الله تعالى لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئًا ما, قلَّ أو كثر, ولو كان تمثيلا بأصغر شيء, كالبعوضة والذباب ونحو ذلك, مما ضربه الله مثلا لِعَجْز كل ما يُعْبَد من دون الله. فأما المؤمنون فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه, وأما الكفار فَيَسْخرون ويقولون: ما مراد الله مِن ضَرْب المثل بهذه الحشرات الحقيرة
ويجيبهم الله بأن المراد هو الاختبار, وتمييز المؤمن من الكافر; لذلك يصرف الله بهذا المثل ناسًا كثيرين عن الحق لسخريتهم منه, ويوفق به غيرهم إلى مزيد من الإيمان والهداية. والله تعالى لا يظلم أحدًا; لأنه لا يَصْرِف عن الحق إلا الخارجين عن طاعته.
🌼تبصرة :
يقول الإِمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «اِنّما ضَرَبَ اللهُ الْمَثَلَ بِالْبِعُوضَةِ لاَِنَّ الْبَعُوضَةَ عَلى صِغَر حَجْمِهَا خَلَقَ اللهُ فِيهَا جَمِيعَ مَا خَلَقَ فِي الْفَيلِ مَعَ كِبَرِهِ وَزِيَادَةَ عُضْوَيْنِ آخَرَيْنِ فَأَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُنَبِّهَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنينَ عَلى لُطْفِ ﴿لَطِيفِ﴾ خَلْقِهِ وَعَجيبِ صَنْعَتِهِ».
يريد الله سبحانه بهذا المثال أن يبين للمؤمنين دقّة الصنع في الخلق، التفكير في هذا الموجود الضعيف على الظاهر، والشبيه بالفيل في الواقع، يبيّن للإِنسان عظمة الخالق.
خرطوم هذا الحيوان الصغير يشبه خرطوم الفيل، أجوف، ذو فتحة دقيقة جداً، وله قوّة ماصة تسحب الدم.
منح الله هذا الحيوان قوة هضم وتمثيل ودفع، كما منحه أطرافاً وأُذناً وأجنحة تتناسب تماماً مع وضع معيشته.
هذه الحشرة تتمتع بحساسية تشعر فيها بالخطر بسرعة فائقة وتفرّ عندما يداهمها عدوّ بمهارة عجيبة، وهي مع صغرها وضعفها يعجز عن دفعها كبار الحيوانات.
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول في هذا الصدد: «كَيْفَ وَلَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ حَيَوَانِهَا مِنْ طَيْرِهَا وَبَهَائِمِهَا وَمَا كَانَ مِنْ مُرَحِهَا وَسَائِمِهَا، وَأَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا وَأَجْنَاسِهَا، وَمُتَبَلِدَةِ أُمَمِهَا وَأَكْيَاسِهَا، عَلى إِحْدَاثِ بَعُوضَة مَا قَدَرَتْ عَلى إِحْدَاثِهَا، وَلاَ عَرَفَتْ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلى إِيجَادِهَا، وَلَتَحيَّرَتْ عُقُولُهَا فِي عِلْمِ ذَلِكَ وَتَاهَتْ، وَعَجَزَتْ قُوَاهَا وَتَنَاهَتْ، وَرَجَعَتْ خَاسِئَةً حَسِيرَة، عَارِفَةً بأَنَّهَا مَقْهُورَة، مُقِرَّةً بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشَائِهَا، مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا».
الإعراب
(إن) : حرف ناسخ.
(الله) : اسم إن المنصوب.
(لا) : نافية.
(يستحيي) : فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر فيه جوازًا تقديره هو يعود على الله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر إن.
(أن) : حرف مصدري ونصب،
(يضرب) : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا.
(مثلا) : مفعول به ليضرب.
(ما) : إبهامية، وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته وزادته شيوعًا وعمومًا، في محل نصب صفة لـ(مثلا).
(بعوضة) : بدل من مثلًا.
(فما) : الفاء عاطفة، وما اسم موصول في محل نصب معطوف على بعوضة.
(فوقها) : ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، وجملة الصلة لا محل لها من الإعراب.
-------
إضاءة قرآنية (٢)
( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ )
فاطر ٢٢
التفسير
وما يستوي أحياء القلوب بالإيمان, وأموات القلوب بالكفر. إن الله يسمع مَن يشاء سماع فَهْم وقَبول, وما أنت -أيها الرسول- بمسمع مَن في القبور, فكما لا تُسمع الموتى في قبورهم ولا يتأثرون بدعوتك فكذلك لا تُسمع هؤلاء الكفار لموت قلوبهم,
وبعض توهم بأن الأموات لا يسمعون استدلالا بقوله تعالى (وما أنت بمسمع من في القبور) ، وليس كذلك، بل هذه الآية تخير بأن الكفار المعاندين والمعرضين عن سماع الحق لن ينتفعوا بالتذكير والموعظة كما أن الأموات الذين صاروا إلى قبورهم لن ينتفعوا بما يسمعونه من التذكير والموعظة بعد أن خرجوا من الدنيا على كفرهم،
فشبه الله تعالى هؤلاء الكفار الأحياء جسدا من حيث عدم انتفاعهم بالدعوة ، بالأموات في قبورهم من هذا الوجه،
ونص على ذلك أهل التفسير ، فقد جاء في مختصر تفسير ابن كثير للصابوني (3 / 45) في تفسير آية (وما أنت بمسمع من في القبور) إن المعنى:
أي كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة إليها كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم (إن أنت إلا نذير). ا ه .
الخلاصة : إن الإسماع المنفي في الآية المباركة هو إسماع الهداية وقبولها والتأثر بها لا مطلق الإسماع .
وبهذا السياق جاءت الآية المباركة وهي قوله تعالى :
( فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ )
الروم ٥٢
وقوله تعالى ( إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) النمل ٨٠ .
أي : فإنك -يارسول الله - لا تسمع من مات قلبه, أو سدَّ أذنه عن سماع الحق, فلا تجزع ولا تحزن على عدم إيمان هؤلاء المشركين بك, فإنهم كالصم والموتى لا يسمعون, ولا يشعرون ولو كانوا حاضرين, فكيف إذا كانوا غائبين عنك مدبرين؟
ومن الواضح بأن عبارة ( ولوا مدبرين ) في الآيتين تشمل الموتى والصم معا ؛ مما يدل على إن الموت هنا هو موت البصيرة والحس الانساني لا موت الجسد ، لأنه لا معنى للميت جسدا ان يقال في حقه : ولى مدبرا !!
وكذا قوله تعالى ( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) الأنعام ٣٦
أي إن الذين يستجيبون لدعوتك هم من يسمعون الحق فيتبعونه ( وهم أحياء القلوب ) ، أما الموتى ( قلبا) وهم الكفار فلا يستحيبون وسيبعثون ويجازون بكفرهم .
تبصرة : يستفاد من كل ماتقدم بأن الآيات المباركة ليست بصدد نفي سماع الموتى للأصوات ، بل دلت الأدلة الكثيرة على إن الموتى يسمعون وقد روي مستفيضا بأن النبي ص كان يقف على القتلى يوم بدر ويقول:
هل وجدتم ما وعد ربكم حقا يا فلان بن فلان ألم تكفر بربك؟ ألم تكذب نبيك؟ ألم تقطع رحمك؟ فقالوا: يا رسول الله أيسمعون ما تقول؟ قال: ما أنتم بأسمع منهم لما أقول .
وماروي بأن الميت يسمع قرع نعال المشيعين اذا انصرفوا ..
💥هذه الآية والتوسل
حاول المعارضون للتوسل بالأنبياء الاستدلال بالآيات السابقة ، زاعمين بأن النبي ص ميت لا يسمع فخطابه لا فائدة فيه . والتوسل به حرام .
🌼والجواب على هذه الشبهة ؛ فبالإضافة الى ماذكرنا سالفا من وجود الأدلة العامة على سماع الموتى ، فهناك أدلة خاصة على حياة الأنبياء في قبورهم وأليك بعضها :
الأول : عن أنس بن مالك عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) رواه أبو يعلى والبزار والبيهقي في حياة الأنبياء وغيرهم. قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (8 / 211): رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى ثقات. وفي فيض القدير (3 / 84): رواه أبو يعلى عن أنس بن مالك وهو حديث صحيح ا ه.
وصححه الألباني بالرقم ٦٢١
الثاني :قال السيوطي في مرقات الصعود: تواترت - بحياة الأنبياء في قبورهم - الأخبار،
الثالث : قال الحافظ السيوطي في أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء ما نصه: حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا، لما قام عندنا من الأدلة في ذلك، وتواترت بها الأخبار الدالة على ذلك.
الرابع : قال ابن القيم في كتاب الروح: صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس، وفي السماء خصوصا بموسى، وقد أخبر بأنه: ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام. إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأنهم أحياء مدركون سامعون .
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
--------
اضاءة قرآنية (٣)
قال تعالى في شأن النبي عيسى
على بنينا وآله وعليه السلام :
(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ) آل عمران ٤٦
(إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ) المائدة ١١٠
الكَهْلُ : مَنْ بلغت سنُّه بين الثلاثين والخمسين ، أو هو من جاوز الشبابَ ولمّا يصل سنَّ الشيخوخة ، أو هو الذي خطه الشيبُ ، وهو ما بين الرابعة والثلاثين إلى الستِّين .
فالكهولة هي متوسط العمر
بالتأمل في الآيتين الشريفتين نجد بأن الله تعالى يذكر نعمة منه تعالى على نبيه عيسى وهي :
(تكليمه الناس في المهد وكهلا )
💥وقد يطرح هذا السؤال إن التكليم في المهد أمر إعجازي ، ولكن ماوجه الإعجاز في التكليم في الكهولة الذي هو أمر عادي ، فكل شخص سوي يكلم الناس كهلا ؟
الجواب : صحيح إن الكلام في الكهولة أمر عادي ، ولعلّ ذكره في الآيتين مقارناً لكلامه في المهد إشارة إلى إن كلامه في المهد مثل كلامه في الكهوله من حيث الصواب والحق .. فكلامه في المهد كان بالصواب والحكمة وليس بكلام صبياني طفولي ، وكلامه في الكهولة كذلك .. فلا فرق بين كلامه في الحالتين ( في المهد وكهلا) .
وهذا يدل على كمال فهمه وعقله منذ طفولته وصباه .
والحمد لله وكفى وصلى الله على عباده الذين اصطفى سيما محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
------
إضاءة قرآنية ٤
قال تعالى ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يوسف ٢٤
التفسير
💫الهم هو العزم على الأمر وقد ورد بهذاالمعنى في مواضع من القرآن
الكريم منها :
🌕( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ) التوبة ٧٤
🌕(أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ ) التوبة ١٢
🌕(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ
لِيَأْخُذُوهُ ) غافر ٣
♻وفي قصة يوسف ع نرى بأن زوجة العزيز ( زليخا) قد همت بيوسف ، أي عزمت على فعل الفاحشة معه فأعدت جميع المقدمات وأخيرا غلّقت الأبواب وقالت هيت لك وهذا واضح لا لبس فيه ..
ولكن هل هم يوسف بالفاحشة ؟
الجواب: إذا دققنا النظر في الآية المباركة نجدها تنفي حصول الهم بالفاحشة من النبي يوسف بدليلين :
الدليل الأول : إن الآية استخدمت كلمة ( لولا ) .. وهي من أدوات الشرط التي تفيد الامتناع لوجود ( (أي امتناع حصول شيء لوجود شيء آخر)
♻كما في قوله تعالى : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)
هود ٩١
فإن الرجم لم يحصل لشعيب لوجود قومه الذين يحمونه من أعدائه .
♻وكما نقول للتلميذ : لولا مذاكرتك لرسبت في الامتحان ..
فإن الرسوب لم يحصل لوجود المذاكرة .
فقوله تعالى : وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه .. يعني ( لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها) فالهمّ بالفاحشة لم يحصل من يوسف أصلا والسبب هو رؤيته لبرهان ربه
.. فامتنع الهم بالفاحشة لوجود البرهان الالهي .
ويدل على ذلك جواب الإمام الرضا عليه السلام للمأمون ع عندما سأله عن عصمة الأنبياء : لقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوما ؛ والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه
الدليل الثاني : شهادة الله تعالى له كما ذكر في بقية الآية المباركة
( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )
🔶فالله تعالى صرف السوء والفحشاء عن النبي يوسف ، والهمٌ بالفاحشة مما صُرف عنه
ويلاحظ في الآية بأن السوء والفحشاء هما اللذان صرفا عن يوسف ، ولم يصرف يوسف عنهما فلم تقل الآية ( لنصرفه عن السوء والفحشاء) وهذا يدل على إن هذا النبي العظيم كان بمنأى بعيد ومكان رفيع عن كل سوء وفحشاء
🔶كما تذكر الآية بأن يوسف ع من عباد الله المخلَصين ( بفتح اللام) وهؤلاء لاسبيل للشيطان عليهم ، كما ورد في قوله تعالى ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ص ٨٢-٨٣
بل إن امرأة العزيز شهدت ليوسف بالنزاهة والطهارة ( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ) أي امتنع عن الفاحشة بقوة وصلابة كما توحي وتشي به كلمة (استعصم ) .
💥وأخيرا قد تسأل : ماهو البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام ؟
الجواب : هو الملكة القدسية الموهوبة له من الله تعالى وهي العصمة .
أسأل الله تعالى أن يعصمنا من الخطايا والذنوب وأن يعيننا على أنفسنا بما أعان به أولياءه الصالحين .. ودمتم موفقين ..
خادم العترة الهادية
-------
إضاءة قرآنية (٥)
♻ شبهة قبول القرآن تعدد الأديان :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة ٦٢
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
المائدة ٦٩
💧خلاصة الشبهة : إن القرآن يصرح في هاتين الآيتين بأنه يقر أهل الأديان على أديانهم ولا يلزمهم بان يتحولوا الى الاسلام فالمهم هو الايمان بالله والعمل الصالح والجنة ستكون مصير الجميع .
فالقرآن مع تعدد الأديان ، لا الدين الواحد ..
تزييف الشبهة : من خلال بيان تفسير الآيتين الكريمتين يتضح زيف هذه الشبهة وبطلانها ، كما يلي : .
🔶التفسير الأول : تتحدث الآيتان عن أتباع تلكم الشرائع قبل الاسلام وعندما كانت تلكم الشرائع هي المفروضة والمطلوبة من قبل الله وقبل أن تُنسخ .. فمن كان منهم مستقيما مؤمنا وعاملا للصالحات على شريعة زمانه فهو من أهل الجنة والنجاة ، ولا يتوهم أحد بأن النجاة والجنة للمسلمين فقط وإن من قبلهم هالك وإن كان مؤمنا صالحا .
( وعلى هذا التفسير فإن الأيتين لاتدلان على مضمون تلك الشبهة )
🔶التفسير الثاني : إن المعني بالآيتبن هم اليهود والنصارى وغيرهم المعاصرون للرسالة المحمدية ، وإنهم لو عملوا بما جاء في كتبهم لآمنوا حتماً بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأن بشارات بعث خاتم الأنبياء وعلائمه وصفاته مذكورة في الكتب السماوية التي يعتقدون بها ، وهذا ماتؤكده الآياتان الكريمتان :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ) المائدة ٦٦
( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ) المائدة ٦٨
فالآيتان تأمران اهل التوراة والإنجيل بإقامة التوراة والإنجيل بمعنى العمل بما في هذين الكتابين من البشارة والأخبار برسالة الإسلام ونبوة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله .
وحينئذ فقط يكونون من أهل الجنة وإلا فإن عملهم يكون باطلا ومصيرهم الى النار كما قال تعالى:
( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران ٨٥
🌼ومسك الختام : فإن القرآن المجيد يفسر بعضه بعضا ، والفهم الصحيح للقرآن لا يتم إلا باستعراض تمام آياته والأخذ بها جميعا ، لا الأخذ ببعض الآيات والإعراض عن بعض ، ولا بتفسيره بحسب الهوى وميل النفس .
وبهذا تسقط تلكم الشبهة برمتها ويتضح بطلانها .. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
--------
إضاءة قرآنية (٦)
( حكم داود وسليمان )
قوله تعالى (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) الأنبياء ٧٨- ٧٩
"نفشت" من مادّة نَفْش على وزن (حرب) أي التفرّق والتبعثر في الليل، ولمّا كان تفرّق الأغنام في الليل، وفي مزرعة سيقترن بالتهام نباتها حتماً لذا قال البعض: إنّها الرعي في الليل. و "نَفَش" (على وزن علم) تعني الأغنام التي تتفرّق في الليل.
♻ملخص القصة
إنّ قطيع أغنام لبعض الرعاة دخلت ليلا إلى بستان فأكلت أوراقه وعناقيد العنب منه فأتلفته، فرفع صاحب البستان شكواه إلى داودالذي كان النبي والحاكم ، فحكم داود بأن تعطى كلّ الأغنام لصاحب البستان تعويضاً لهذه الخسارة الفادحة، فقال سليمان - والذي كان طفلا آنذاك - لأبيه: يانبي الله العظيم، غيّر هذا الحكم وعدّله! فقال الأب: وكيف ذاك؟ قال: يجب أن تودع الأغنام عند صاحب البستان ليستفيد من منافعها ولبنها وصوفها، وتودع البستان في يد صاحب الأغنام ليسعى في إصلاحه، فإذا عاد البستان إلى حالته الأُولى يُردّ إلى صاحبه، وتردّ الأغنام أيضاً إلى صاحبها.
وقد وردت في روايات الشيعة وأهل السنة ما إجماله أن داود حكم لصاحب الحرث بأصول الغنم وسليمان حكم لصاحب الحرث بمنافع الغنم في تلك السنة من ضرع وصوف ونتاج ليستوفي حقه
تساؤلات حول القصة :
🔶س١/ لماذا تدخل سليمان في الحكم وهو صبي في القضية المرفوعة لأبيه داود ، وداود هو الحاكم ؟
الجواب :
لم يتدخل سليمان في القضية إلا بإذن من أبيه داود ورضاه ، وكان ذلك لحكمة وهي إبراز مواهب سليمان وتعريفه للناس لأنه سيكون خليفة أبيه داود .
🔶س٢/ هل صدر من سليمان حكما مغايرا لحكم داود وكل أبدى حكمه للمتخاصمين ؟
💥هناك جوابان لهذا السؤال :
🔅الجواب الأول : من المعلوم أن لا معنى لحكم حاكمين في واقعة واحدة شخصية مع استقلال كل واحد منهما ، ومن هنا يظهر أن داود وسليمان كانا يتناظران أو يتشاوران في الحكم المناسب لا إن كل واحد منهما قد أصدر حكما مستقلا في القضية ، وعند انتهاء التشاور أُمضي حكم سليمان بإذن داود ويستفاد ذلك من قوله تعالى ( إذ يحكمان) المشعر بالاشتراك والتشاور .
🔅الجواب الثاني: إن ماحكم به داود كان هو الحكم في الواقعة عند أنبياء بني إسرائيل -- فنسخ الله هذا الحكم بحكم جديد أجراه الله على لسان سليمان !! وبالتالي فإن داود وسليمان حكما بحكم الله تعالى إلا إن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ ، ولعل هذا مايشير اليه قوله تعالى ( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) -
🔶س٣/ هل إمضاء حكم سليمان يدل على أعلميته ؟
الجواب : لم يكن هناك حكمان متناقضان أصلا ، بل لم يكن هناك إلا حكم واحد حقيقة حسبما يتضح من الجواب السابق ولذا قالت الآية ( وكنا لحكمهم شاهدين) ولو كان هناك حكمان لقالت الآية ( وكنا لحكميهما شاهدين )
ويبدو بإن هدف داود من إشراك ابنه سليمان في الحكم ( وأن يكون حكمه نافذا ) هو أن يرى قومه بنو إسرائيل إن ابنه سليمان (عليه السلام) وصيِّهِ فهو حامل للعلم وجدير بالحكم والوصاية. ولا يدل ذلك على إن النبي سليمان (عليه السلام) أعلم من النبي داود (عليه السلام) .
🔶س ٤/ الحكم صدر من داود وسليمان وهما اثنان فلماذا قالت الآية ( وكنا لحكمهم شاهدين) بضمير الجمع ؟
الجواب : الضمير في كلمة ( لحكمهم) يعود للأنبياء ، أي إن الله تعالى شاهد ومطّلع على أحكام الأنبياء فيسددهم للحق والصواب .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
خادم العترة الهادية
---
إضاءة قرآنية (٧)
( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ
لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) الواقعة ٧٧
التفسير
🔶إن هذا القرآن في كتاب مكنون أي محفوظ ومصون من التدنيس والتبديل .
🔶( لايمَسُّه ) اللام : هنا نافيه ، وليست ناهية .. بدليل إن الفعل المضارع جاء مرفوعا ؛ ولو كانت اللام ناهية لجزمت الفعل ولصارت السين مفتوحة ( (لا يمسَه ) .
🔶والمعنى بأن الكتاب المكنون الذي فيه القرآن لايدرك حقائقه ومعارفه وأسراره إلا المطهرون .
قال الإمام المحقق سيدنا الخوئي قدس سره :
( معنى الآية المباركة أن الكتاب لعظمة معاني آياته ودقة مطالبه لا ينال فهمها ولا يدركها إلّا من طهّره اللََّه سبحانه، وهم الأئمة (عليهم السلام) لقوله سبحانه: إِنَّمََا يُرِيدُ اَللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) و ليست لها أية دلالة على حصر جواز المس ( أي مس كتابة القرآن ) للمتطهر، لأن المطهَّر غير المتطهِّر وهما من بابين، ولم يُرٓ إطلاق المطَهّّر على المتطهر كالمغتسل والمتوضي في شيء من الكتاب والأخبار. على أن الضمير في يَمَسُّهُ إنما يرجع إلى الكتاب المكنون وهو اللّوح المحفوظ، ومعنى أن الكتاب المكنون لا يمسّه إلّا المطهّرون هو ما قدّمناه من أنه لا يناله ولا يصل إلى دركه إلّا الأئمة المعصومون(عليهم السلام )..
انتهى المنقول من كلامه زيد في مقامه . التنقيح ج٤ ص ٤٧٣
♻الخلاصة : إن المس المنفي في الآية المباركة هو المس المعنوي
( المس بمعنى الإدراك والعلم )
لا المس الظاهري العضوي لكتابة القرآن الكريم .. وإن كان يحرم للمحدث ( غير المتطهر) أن بمس كتابة القرآن ، ولكن هذا الحكم استفيد من أدلة أخرى لا من هذه الآية .
والآية الكريمة تثبت فضيلة عظمى لأهل البيت عليهم السلام وصلتهم الفريدة والمخصوصة بحقائق القرآن....
فهم المعنيون بقوله تعالى :
( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ) العنكبوت ٤٩
وقوله تعالى ؛
( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران ٧
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين المطهرين
خادم العترة الهادية
-----
إضاءة قرآنية (٨)
( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران ٧
♻التفسير :
الآية المباركة تقرر بأن القرآن الكريم يشتمل على آيات محكمة وآيات متشابهة والناس إزاء القرآن صنفان :
🔶١- من زاغت قلوبهم اي مالت عن الحق وهؤلاء يتبعون ماتشابه من القرآن ( ابتغاء الفتنة﴾ أي لطلب الضلال والإضلال وإفساد الدين على الناس ، وقيل لطلب التلبيس على ضعفاء الخلق عن مجاهد ، وقيل لطلب الشرف والمال كما سمى الله المال فتنة في مواضع من كتابه ، وقيل المراد بالفتنة هاهنا الكفر وهو المروي عن أبي عبد الله الصادق .
﴿وابتغاء تأويله﴾ ولطلب تأويله على خلاف الحق .
🔶٢- المؤمنون الحقيقيون وهم الذين يرجعون في فهم القرآن الى الراسخين في العلم ويأخذون التأويل الحق للقرآن عن طريقهم
🌼السؤال: من يعلم تأويل القرآن
حسبما ورد في قوله تعالى :
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي العلم ) ؟
الجواب
القول الأول : الذي يعلم التأويل هو الله تعالى وكذلك الراسخون في العلم فعلى هذا تكون ( الواو) في قوله تعالى : ( إلاالله و الراسخون) هي واو العطف فكلمة الراسخون معطوفة على لفظ الجلالة - الله - .
قال في مجمع البيان؛ وهذا قول ابن عباس .. وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) فإنه قال : ( (كان رسول الله أفضل الراسخين في العلم قد علم جميع ما أنزل الله عليه من التأويل والتنزيل وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله وهو وأوصياؤه من بعده يعلمونه )
٢- القول الثاني : إن الذي يعلم تأويل متشابه القرآن هو الله تعالى فقط، أما الراسخون في العلم فلا يعلمون بالتأويل ولكنهم يؤمنون به فقط .
وعلى هذا ف ( الواو) في قوله تعالى ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) هي واو استئنافية ؛ وكلمة (الراسخون ) بداية لجملة جديدة
وخبرها جملة فعلية ( يقولون آمنا به)
وهذا هو القول الشائع عند أهل السنة ،
والملاحظ بأن هذا القول هو قول عائشة وعروة بن الزبير والحسن ومالك واختيار الكسائي والفراء
كما في مجمع البيان .
💫ولا يخفى موقف هؤلاء من أهل البيت عليهم السلام .
💥تلاحظ في نسخ المصحف أنهم قد وضعوا علامة الوقف بعد لفظ الجلالة ( وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ ) قلى : يعني الوقف أولى ، لأن نساخ المصحف يأخذون بقول عائشة وعروة وهو انحصار علم التأويل بالله .
🌕من هم الراسخون في العلم ؟
قال مولانا أمير المؤمنين ع ( أين الذين زعموا أنهم الرّاسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يُستعطى الهُدى، ويُستجلى العمى،)
فالراسخون في العلم بالنحو الأتم والأوفي هم أهل البيت عليهم السلام كما تظافرت الروايات وتشهد بذلك سيرتهم العملية .. وشهد لهم فقهاء واعلام الأمة ، وتلك آثارهم تدل عليهم ..!!
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي في تفسيره التحرير والتنوير ولنعم ماقال:
(المراد بالراسخين في العلم، الذين تمكّنوا في علم الكتاب ومعرفة محامله، وقام عندهم من الأدلّة ما أرشدهم إلى مراد الله تعالى بحيث لا تروج عليهم الشبه.
والرسوخ في كلام العرب: الثبات والتمكّن في المكان؛ يقال: رسخت القدم ترسخ رسوخاً إذا ثبتت عند المشي ولم تتزلزل، واستعير الرسوخ لكمال العقل والعلم بحيث لا تضلّله الشبه، ولا تتطرّقه الأخطاء غالباً، وشاعت هذه الاستعارة حتّى صارت كالحقيقة. فالراسخون في العلم، الثابتون فيه العارفون بدقائقه، فهم يحسنون مواقع التأويل ويعلمونه .... الخ )
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
-------
إضاءة قرآنية (٩)
قوله تعالى ( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) القارعة ٨-٩
التفسير
🔶معاني (الأم ) كما في القاموس:
الوالدة .. وامرأة الرجل المسنّة .. و المسكن .. و خادم القوم .
فيكون معنى قوله تعالى ( فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) أي مسكنه الهاوية ،
أي المكان الذي يسكن فيه ويقيم هي الهاوية .
🔶وقيل: المراد بأمه (أم رأسه )والمعنى فأم رأسه هاوية أي ساقطة فيها لأنهم يُلقون في النار على أم رأسهم، ولكن هذا القول بعيد ، لأن الضمير في قوله: ﴿وما أدراك ما هيه﴾ يعود على الهاوية التي وصفت بأنها نار حامية . ولا يناسب أن يعود الضمير على أم الرأس .
والهاوية من أسماء النار ـ نستجير بالله منها ـ والظاهر أنها مأخوذة من الهوي لأن من يدخلها يُلقى فيهوي فيها لبعد قعرها .
وجيء بالجملة الاسمية ( فأمه هاوية : حيث المبتدأ والخبر) للدلالة على الاستقرار والثبات وفيه إشعار بالدوام والخلود في النار ؛ فيكون ذلك قرينة على إن الموضوع هو الكافر ، والقدر المسلّم إن ذلك لغير المؤمن .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
------
إضاءة قرآنية (١٠)
براءة النبي ابراهيم عليه السلام
( قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ )
الأنبياء ٦٢ ـ ٦٣
( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ )
الصافات ٨٨ ـ ٩٠
كذبة مفضوحة :
أخرج أصحاب الصحاح والسنن من طرق كثيرة عن أبي هريرة : انّ رسول اللّه (ص) قال : لم يكذب إبراهيم (عليه السلام) غير ثلاث كذبات : ثنتين في ذات اللّه : قوله : ( إنّي سقيم ) وقوله : ( بل فعله كبيرهم هذا ) وقوله في سارة : ( هي أُختي ).
💥بيان و تفنيد :
قالوا بأن ابراهيم كذب حينما قال:
( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) لأنه هو الذي كسر الأصنام وعلق الفأس في رقبة كبيرهم ، فلماذا ينسب الفعل الى كبيرهم ؟؟
والجواب :
يتحقق الكذب فيما لو كان ابراهيم يخبر عن إرادة جدية بما يقول ، أي لو كان يقصد الإخبار عن الواقع . ولكن عندنا قرائن تدل على إن إبراهيم كان يقصد بقوله ( بل فعله كبيرهم ) الاستهزاء والسخرية وإلفات قومه الى سخف عقولهم ، وكيف يعبدون أصناما لا تستطيع ان تحمي نفسها !! .. ومما يدل على إن ابراهيم قد قصد بكلامه الاستهزاء سبق تهديده بالكيد لأصنامهم
( وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ )
🔶وهناك جواب آخر وهو :
إن ابراهيم لم يكذب لأنه نسب الفعل إلى كبيرهم مشروطاً بكونهم ينطقون ( بل فعله كبيرهم هذا فاسئَلوهم إن كانوا ينطقون ) فكأنّه قال : فعل كبيرهم هذا العمل إن كانت الأصنام المكسورة ناطقة ،
وانّما يلزم الكذب لو نسبه على وجه التنجيز .. وبما أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه ، وكان الشرط ـ أعني نطقها ـ منتفياً كان المشروط ـ أي كون الكبير قائماً بهذا الفعل ـ منتفياً أيضاً.
🔶🔶الآية الثانية : ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ )
جاء في كتب التأريخ والتّفسير، أنّ عبدة الأصنام في مدينة بابل كان لهم عيد يحتفلون به سنوياً، يهيّئون فيه الطعام داخل معابدهم، ثمّ يضعونه بين يدي آلهتهم لتباركه، ثمّ يخرجون جميعاً إلى خارج المدينة، وفي آخر اليوم يعودون إلى معابدهم لتناول الطعام والشراب.
وبذلك خلت المدينة من سكّانها، فاستغلّ إبراهيم (ع) هذه الفرصة الجيّدة لتحطيم الأصنام .
وحين دعاه قومه ليلا للمشاركة في مراسمهم (فقال إنّي سقيم).
وبهذا الشكل إعتذر عن مشاركتهم.
قالوا بأن الخليل وحاشاه كذب عندما قال (إِنِّي سَقِيمٌ ) أي مريض
ونقول: إن الكذب يتحقق فيما إذا قال ابراهيم ذلك وهو لم يكن مريضا واقعا .. ومن أين يحصل العلم بذلك ؟
مالمانع إن الله تعالى قد أمرض خليله إبراهيم لكي يتخلف عن مرافقة قومه ، ليبقى في المدينة ويحطم الأصنام ؟
وبالتالي فنحن في غنىً عن التكلف بالقول بأن مرض ابراهبم كان مرضا روحيا مما يراه من كفر قومه .. أو إنه قال ذلك على سبيل التورية !!
أما الفقرة الثالثة في الحديث المتقول :
( قوله في سارة: هي أختي )
نقول : هذا ورد في التوراة المحرفة فلا نقيم له وزنا .
وفي قاموس الكتاب المقدس ص ١٠ :
(فارتحل ( ابراهيم) من هناك إلى مصر وهناك خوفاً على حياته ، ذكر لفرعون أن ساراي ( سارة) أخته دون أن يذكر أنها زوجته ... الخ )
🌼لطيفة من الفخر الرازي
وقد تكلّم الفخر الرازي على هذا الحديث وأبطله، وعبَّر عن رواته بالحشويّة، فانظر الى نصّ كلامه حيث قال:
(واعلم أنّ بعض الحشوية روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ما كذب إبراهيم الاّ ثلاث كذبات.
🔅فقلت: الأولى أن لا يقبل مثل هذه الأخبار.
🔅فقال ـ على طريق الاستنكار ـ ان لم نقبله لزمنا تكذيب الرواة.
🔅فقلت له: يا مسكين، ان قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم عليه السلام، وان رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة، ولا شكّ أنّ صون إبراهيم عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب ). انتهى .
تفسير الرازي ج٢٦ ص١٤٨
الخلاصة : إن النبي إبراهيم عليه السلام بطل التوحيد الخالص لم تصدر منه كذبة قط ، فهو النبي الكريم المعصوم من الزلل من أول عمره الى آخره .
والحمد لله أولا وآخرا .. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
-------
نضعها لكم لما فيها من فوائد علمية قيمة
إضاءة قرآنية رقم ١
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فما فوقها)
البقرة ٢٦
التفسير
إن الله تعالى لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئًا ما, قلَّ أو كثر, ولو كان تمثيلا بأصغر شيء, كالبعوضة والذباب ونحو ذلك, مما ضربه الله مثلا لِعَجْز كل ما يُعْبَد من دون الله. فأما المؤمنون فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه, وأما الكفار فَيَسْخرون ويقولون: ما مراد الله مِن ضَرْب المثل بهذه الحشرات الحقيرة
ويجيبهم الله بأن المراد هو الاختبار, وتمييز المؤمن من الكافر; لذلك يصرف الله بهذا المثل ناسًا كثيرين عن الحق لسخريتهم منه, ويوفق به غيرهم إلى مزيد من الإيمان والهداية. والله تعالى لا يظلم أحدًا; لأنه لا يَصْرِف عن الحق إلا الخارجين عن طاعته.
🌼تبصرة :
يقول الإِمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «اِنّما ضَرَبَ اللهُ الْمَثَلَ بِالْبِعُوضَةِ لاَِنَّ الْبَعُوضَةَ عَلى صِغَر حَجْمِهَا خَلَقَ اللهُ فِيهَا جَمِيعَ مَا خَلَقَ فِي الْفَيلِ مَعَ كِبَرِهِ وَزِيَادَةَ عُضْوَيْنِ آخَرَيْنِ فَأَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُنَبِّهَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنينَ عَلى لُطْفِ ﴿لَطِيفِ﴾ خَلْقِهِ وَعَجيبِ صَنْعَتِهِ».
يريد الله سبحانه بهذا المثال أن يبين للمؤمنين دقّة الصنع في الخلق، التفكير في هذا الموجود الضعيف على الظاهر، والشبيه بالفيل في الواقع، يبيّن للإِنسان عظمة الخالق.
خرطوم هذا الحيوان الصغير يشبه خرطوم الفيل، أجوف، ذو فتحة دقيقة جداً، وله قوّة ماصة تسحب الدم.
منح الله هذا الحيوان قوة هضم وتمثيل ودفع، كما منحه أطرافاً وأُذناً وأجنحة تتناسب تماماً مع وضع معيشته.
هذه الحشرة تتمتع بحساسية تشعر فيها بالخطر بسرعة فائقة وتفرّ عندما يداهمها عدوّ بمهارة عجيبة، وهي مع صغرها وضعفها يعجز عن دفعها كبار الحيوانات.
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول في هذا الصدد: «كَيْفَ وَلَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ حَيَوَانِهَا مِنْ طَيْرِهَا وَبَهَائِمِهَا وَمَا كَانَ مِنْ مُرَحِهَا وَسَائِمِهَا، وَأَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا وَأَجْنَاسِهَا، وَمُتَبَلِدَةِ أُمَمِهَا وَأَكْيَاسِهَا، عَلى إِحْدَاثِ بَعُوضَة مَا قَدَرَتْ عَلى إِحْدَاثِهَا، وَلاَ عَرَفَتْ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلى إِيجَادِهَا، وَلَتَحيَّرَتْ عُقُولُهَا فِي عِلْمِ ذَلِكَ وَتَاهَتْ، وَعَجَزَتْ قُوَاهَا وَتَنَاهَتْ، وَرَجَعَتْ خَاسِئَةً حَسِيرَة، عَارِفَةً بأَنَّهَا مَقْهُورَة، مُقِرَّةً بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشَائِهَا، مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا».
الإعراب
(إن) : حرف ناسخ.
(الله) : اسم إن المنصوب.
(لا) : نافية.
(يستحيي) : فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر فيه جوازًا تقديره هو يعود على الله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر إن.
(أن) : حرف مصدري ونصب،
(يضرب) : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا.
(مثلا) : مفعول به ليضرب.
(ما) : إبهامية، وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته وزادته شيوعًا وعمومًا، في محل نصب صفة لـ(مثلا).
(بعوضة) : بدل من مثلًا.
(فما) : الفاء عاطفة، وما اسم موصول في محل نصب معطوف على بعوضة.
(فوقها) : ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، وجملة الصلة لا محل لها من الإعراب.
-------
إضاءة قرآنية (٢)
( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ )
فاطر ٢٢
التفسير
وما يستوي أحياء القلوب بالإيمان, وأموات القلوب بالكفر. إن الله يسمع مَن يشاء سماع فَهْم وقَبول, وما أنت -أيها الرسول- بمسمع مَن في القبور, فكما لا تُسمع الموتى في قبورهم ولا يتأثرون بدعوتك فكذلك لا تُسمع هؤلاء الكفار لموت قلوبهم,
وبعض توهم بأن الأموات لا يسمعون استدلالا بقوله تعالى (وما أنت بمسمع من في القبور) ، وليس كذلك، بل هذه الآية تخير بأن الكفار المعاندين والمعرضين عن سماع الحق لن ينتفعوا بالتذكير والموعظة كما أن الأموات الذين صاروا إلى قبورهم لن ينتفعوا بما يسمعونه من التذكير والموعظة بعد أن خرجوا من الدنيا على كفرهم،
فشبه الله تعالى هؤلاء الكفار الأحياء جسدا من حيث عدم انتفاعهم بالدعوة ، بالأموات في قبورهم من هذا الوجه،
ونص على ذلك أهل التفسير ، فقد جاء في مختصر تفسير ابن كثير للصابوني (3 / 45) في تفسير آية (وما أنت بمسمع من في القبور) إن المعنى:
أي كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة إليها كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم (إن أنت إلا نذير). ا ه .
الخلاصة : إن الإسماع المنفي في الآية المباركة هو إسماع الهداية وقبولها والتأثر بها لا مطلق الإسماع .
وبهذا السياق جاءت الآية المباركة وهي قوله تعالى :
( فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ )
الروم ٥٢
وقوله تعالى ( إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) النمل ٨٠ .
أي : فإنك -يارسول الله - لا تسمع من مات قلبه, أو سدَّ أذنه عن سماع الحق, فلا تجزع ولا تحزن على عدم إيمان هؤلاء المشركين بك, فإنهم كالصم والموتى لا يسمعون, ولا يشعرون ولو كانوا حاضرين, فكيف إذا كانوا غائبين عنك مدبرين؟
ومن الواضح بأن عبارة ( ولوا مدبرين ) في الآيتين تشمل الموتى والصم معا ؛ مما يدل على إن الموت هنا هو موت البصيرة والحس الانساني لا موت الجسد ، لأنه لا معنى للميت جسدا ان يقال في حقه : ولى مدبرا !!
وكذا قوله تعالى ( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) الأنعام ٣٦
أي إن الذين يستجيبون لدعوتك هم من يسمعون الحق فيتبعونه ( وهم أحياء القلوب ) ، أما الموتى ( قلبا) وهم الكفار فلا يستحيبون وسيبعثون ويجازون بكفرهم .
تبصرة : يستفاد من كل ماتقدم بأن الآيات المباركة ليست بصدد نفي سماع الموتى للأصوات ، بل دلت الأدلة الكثيرة على إن الموتى يسمعون وقد روي مستفيضا بأن النبي ص كان يقف على القتلى يوم بدر ويقول:
هل وجدتم ما وعد ربكم حقا يا فلان بن فلان ألم تكفر بربك؟ ألم تكذب نبيك؟ ألم تقطع رحمك؟ فقالوا: يا رسول الله أيسمعون ما تقول؟ قال: ما أنتم بأسمع منهم لما أقول .
وماروي بأن الميت يسمع قرع نعال المشيعين اذا انصرفوا ..
💥هذه الآية والتوسل
حاول المعارضون للتوسل بالأنبياء الاستدلال بالآيات السابقة ، زاعمين بأن النبي ص ميت لا يسمع فخطابه لا فائدة فيه . والتوسل به حرام .
🌼والجواب على هذه الشبهة ؛ فبالإضافة الى ماذكرنا سالفا من وجود الأدلة العامة على سماع الموتى ، فهناك أدلة خاصة على حياة الأنبياء في قبورهم وأليك بعضها :
الأول : عن أنس بن مالك عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) رواه أبو يعلى والبزار والبيهقي في حياة الأنبياء وغيرهم. قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (8 / 211): رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى ثقات. وفي فيض القدير (3 / 84): رواه أبو يعلى عن أنس بن مالك وهو حديث صحيح ا ه.
وصححه الألباني بالرقم ٦٢١
الثاني :قال السيوطي في مرقات الصعود: تواترت - بحياة الأنبياء في قبورهم - الأخبار،
الثالث : قال الحافظ السيوطي في أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء ما نصه: حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا، لما قام عندنا من الأدلة في ذلك، وتواترت بها الأخبار الدالة على ذلك.
الرابع : قال ابن القيم في كتاب الروح: صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس، وفي السماء خصوصا بموسى، وقد أخبر بأنه: ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام. إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأنهم أحياء مدركون سامعون .
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
--------
اضاءة قرآنية (٣)
قال تعالى في شأن النبي عيسى
على بنينا وآله وعليه السلام :
(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ) آل عمران ٤٦
(إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ) المائدة ١١٠
الكَهْلُ : مَنْ بلغت سنُّه بين الثلاثين والخمسين ، أو هو من جاوز الشبابَ ولمّا يصل سنَّ الشيخوخة ، أو هو الذي خطه الشيبُ ، وهو ما بين الرابعة والثلاثين إلى الستِّين .
فالكهولة هي متوسط العمر
بالتأمل في الآيتين الشريفتين نجد بأن الله تعالى يذكر نعمة منه تعالى على نبيه عيسى وهي :
(تكليمه الناس في المهد وكهلا )
💥وقد يطرح هذا السؤال إن التكليم في المهد أمر إعجازي ، ولكن ماوجه الإعجاز في التكليم في الكهولة الذي هو أمر عادي ، فكل شخص سوي يكلم الناس كهلا ؟
الجواب : صحيح إن الكلام في الكهولة أمر عادي ، ولعلّ ذكره في الآيتين مقارناً لكلامه في المهد إشارة إلى إن كلامه في المهد مثل كلامه في الكهوله من حيث الصواب والحق .. فكلامه في المهد كان بالصواب والحكمة وليس بكلام صبياني طفولي ، وكلامه في الكهولة كذلك .. فلا فرق بين كلامه في الحالتين ( في المهد وكهلا) .
وهذا يدل على كمال فهمه وعقله منذ طفولته وصباه .
والحمد لله وكفى وصلى الله على عباده الذين اصطفى سيما محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
------
إضاءة قرآنية ٤
قال تعالى ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يوسف ٢٤
التفسير
💫الهم هو العزم على الأمر وقد ورد بهذاالمعنى في مواضع من القرآن
الكريم منها :
🌕( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ) التوبة ٧٤
🌕(أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ ) التوبة ١٢
🌕(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ
لِيَأْخُذُوهُ ) غافر ٣
♻وفي قصة يوسف ع نرى بأن زوجة العزيز ( زليخا) قد همت بيوسف ، أي عزمت على فعل الفاحشة معه فأعدت جميع المقدمات وأخيرا غلّقت الأبواب وقالت هيت لك وهذا واضح لا لبس فيه ..
ولكن هل هم يوسف بالفاحشة ؟
الجواب: إذا دققنا النظر في الآية المباركة نجدها تنفي حصول الهم بالفاحشة من النبي يوسف بدليلين :
الدليل الأول : إن الآية استخدمت كلمة ( لولا ) .. وهي من أدوات الشرط التي تفيد الامتناع لوجود ( (أي امتناع حصول شيء لوجود شيء آخر)
♻كما في قوله تعالى : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)
هود ٩١
فإن الرجم لم يحصل لشعيب لوجود قومه الذين يحمونه من أعدائه .
♻وكما نقول للتلميذ : لولا مذاكرتك لرسبت في الامتحان ..
فإن الرسوب لم يحصل لوجود المذاكرة .
فقوله تعالى : وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه .. يعني ( لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها) فالهمّ بالفاحشة لم يحصل من يوسف أصلا والسبب هو رؤيته لبرهان ربه
.. فامتنع الهم بالفاحشة لوجود البرهان الالهي .
ويدل على ذلك جواب الإمام الرضا عليه السلام للمأمون ع عندما سأله عن عصمة الأنبياء : لقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوما ؛ والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه
الدليل الثاني : شهادة الله تعالى له كما ذكر في بقية الآية المباركة
( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )
🔶فالله تعالى صرف السوء والفحشاء عن النبي يوسف ، والهمٌ بالفاحشة مما صُرف عنه
ويلاحظ في الآية بأن السوء والفحشاء هما اللذان صرفا عن يوسف ، ولم يصرف يوسف عنهما فلم تقل الآية ( لنصرفه عن السوء والفحشاء) وهذا يدل على إن هذا النبي العظيم كان بمنأى بعيد ومكان رفيع عن كل سوء وفحشاء
🔶كما تذكر الآية بأن يوسف ع من عباد الله المخلَصين ( بفتح اللام) وهؤلاء لاسبيل للشيطان عليهم ، كما ورد في قوله تعالى ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ص ٨٢-٨٣
بل إن امرأة العزيز شهدت ليوسف بالنزاهة والطهارة ( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ) أي امتنع عن الفاحشة بقوة وصلابة كما توحي وتشي به كلمة (استعصم ) .
💥وأخيرا قد تسأل : ماهو البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام ؟
الجواب : هو الملكة القدسية الموهوبة له من الله تعالى وهي العصمة .
أسأل الله تعالى أن يعصمنا من الخطايا والذنوب وأن يعيننا على أنفسنا بما أعان به أولياءه الصالحين .. ودمتم موفقين ..
خادم العترة الهادية
-------
إضاءة قرآنية (٥)
♻ شبهة قبول القرآن تعدد الأديان :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة ٦٢
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
المائدة ٦٩
💧خلاصة الشبهة : إن القرآن يصرح في هاتين الآيتين بأنه يقر أهل الأديان على أديانهم ولا يلزمهم بان يتحولوا الى الاسلام فالمهم هو الايمان بالله والعمل الصالح والجنة ستكون مصير الجميع .
فالقرآن مع تعدد الأديان ، لا الدين الواحد ..
تزييف الشبهة : من خلال بيان تفسير الآيتين الكريمتين يتضح زيف هذه الشبهة وبطلانها ، كما يلي : .
🔶التفسير الأول : تتحدث الآيتان عن أتباع تلكم الشرائع قبل الاسلام وعندما كانت تلكم الشرائع هي المفروضة والمطلوبة من قبل الله وقبل أن تُنسخ .. فمن كان منهم مستقيما مؤمنا وعاملا للصالحات على شريعة زمانه فهو من أهل الجنة والنجاة ، ولا يتوهم أحد بأن النجاة والجنة للمسلمين فقط وإن من قبلهم هالك وإن كان مؤمنا صالحا .
( وعلى هذا التفسير فإن الأيتين لاتدلان على مضمون تلك الشبهة )
🔶التفسير الثاني : إن المعني بالآيتبن هم اليهود والنصارى وغيرهم المعاصرون للرسالة المحمدية ، وإنهم لو عملوا بما جاء في كتبهم لآمنوا حتماً بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأن بشارات بعث خاتم الأنبياء وعلائمه وصفاته مذكورة في الكتب السماوية التي يعتقدون بها ، وهذا ماتؤكده الآياتان الكريمتان :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ) المائدة ٦٦
( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ) المائدة ٦٨
فالآيتان تأمران اهل التوراة والإنجيل بإقامة التوراة والإنجيل بمعنى العمل بما في هذين الكتابين من البشارة والأخبار برسالة الإسلام ونبوة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله .
وحينئذ فقط يكونون من أهل الجنة وإلا فإن عملهم يكون باطلا ومصيرهم الى النار كما قال تعالى:
( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران ٨٥
🌼ومسك الختام : فإن القرآن المجيد يفسر بعضه بعضا ، والفهم الصحيح للقرآن لا يتم إلا باستعراض تمام آياته والأخذ بها جميعا ، لا الأخذ ببعض الآيات والإعراض عن بعض ، ولا بتفسيره بحسب الهوى وميل النفس .
وبهذا تسقط تلكم الشبهة برمتها ويتضح بطلانها .. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
--------
إضاءة قرآنية (٦)
( حكم داود وسليمان )
قوله تعالى (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) الأنبياء ٧٨- ٧٩
"نفشت" من مادّة نَفْش على وزن (حرب) أي التفرّق والتبعثر في الليل، ولمّا كان تفرّق الأغنام في الليل، وفي مزرعة سيقترن بالتهام نباتها حتماً لذا قال البعض: إنّها الرعي في الليل. و "نَفَش" (على وزن علم) تعني الأغنام التي تتفرّق في الليل.
♻ملخص القصة
إنّ قطيع أغنام لبعض الرعاة دخلت ليلا إلى بستان فأكلت أوراقه وعناقيد العنب منه فأتلفته، فرفع صاحب البستان شكواه إلى داودالذي كان النبي والحاكم ، فحكم داود بأن تعطى كلّ الأغنام لصاحب البستان تعويضاً لهذه الخسارة الفادحة، فقال سليمان - والذي كان طفلا آنذاك - لأبيه: يانبي الله العظيم، غيّر هذا الحكم وعدّله! فقال الأب: وكيف ذاك؟ قال: يجب أن تودع الأغنام عند صاحب البستان ليستفيد من منافعها ولبنها وصوفها، وتودع البستان في يد صاحب الأغنام ليسعى في إصلاحه، فإذا عاد البستان إلى حالته الأُولى يُردّ إلى صاحبه، وتردّ الأغنام أيضاً إلى صاحبها.
وقد وردت في روايات الشيعة وأهل السنة ما إجماله أن داود حكم لصاحب الحرث بأصول الغنم وسليمان حكم لصاحب الحرث بمنافع الغنم في تلك السنة من ضرع وصوف ونتاج ليستوفي حقه
تساؤلات حول القصة :
🔶س١/ لماذا تدخل سليمان في الحكم وهو صبي في القضية المرفوعة لأبيه داود ، وداود هو الحاكم ؟
الجواب :
لم يتدخل سليمان في القضية إلا بإذن من أبيه داود ورضاه ، وكان ذلك لحكمة وهي إبراز مواهب سليمان وتعريفه للناس لأنه سيكون خليفة أبيه داود .
🔶س٢/ هل صدر من سليمان حكما مغايرا لحكم داود وكل أبدى حكمه للمتخاصمين ؟
💥هناك جوابان لهذا السؤال :
🔅الجواب الأول : من المعلوم أن لا معنى لحكم حاكمين في واقعة واحدة شخصية مع استقلال كل واحد منهما ، ومن هنا يظهر أن داود وسليمان كانا يتناظران أو يتشاوران في الحكم المناسب لا إن كل واحد منهما قد أصدر حكما مستقلا في القضية ، وعند انتهاء التشاور أُمضي حكم سليمان بإذن داود ويستفاد ذلك من قوله تعالى ( إذ يحكمان) المشعر بالاشتراك والتشاور .
🔅الجواب الثاني: إن ماحكم به داود كان هو الحكم في الواقعة عند أنبياء بني إسرائيل -- فنسخ الله هذا الحكم بحكم جديد أجراه الله على لسان سليمان !! وبالتالي فإن داود وسليمان حكما بحكم الله تعالى إلا إن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ ، ولعل هذا مايشير اليه قوله تعالى ( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) -
🔶س٣/ هل إمضاء حكم سليمان يدل على أعلميته ؟
الجواب : لم يكن هناك حكمان متناقضان أصلا ، بل لم يكن هناك إلا حكم واحد حقيقة حسبما يتضح من الجواب السابق ولذا قالت الآية ( وكنا لحكمهم شاهدين) ولو كان هناك حكمان لقالت الآية ( وكنا لحكميهما شاهدين )
ويبدو بإن هدف داود من إشراك ابنه سليمان في الحكم ( وأن يكون حكمه نافذا ) هو أن يرى قومه بنو إسرائيل إن ابنه سليمان (عليه السلام) وصيِّهِ فهو حامل للعلم وجدير بالحكم والوصاية. ولا يدل ذلك على إن النبي سليمان (عليه السلام) أعلم من النبي داود (عليه السلام) .
🔶س ٤/ الحكم صدر من داود وسليمان وهما اثنان فلماذا قالت الآية ( وكنا لحكمهم شاهدين) بضمير الجمع ؟
الجواب : الضمير في كلمة ( لحكمهم) يعود للأنبياء ، أي إن الله تعالى شاهد ومطّلع على أحكام الأنبياء فيسددهم للحق والصواب .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
خادم العترة الهادية
---
إضاءة قرآنية (٧)
( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ
لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) الواقعة ٧٧
التفسير
🔶إن هذا القرآن في كتاب مكنون أي محفوظ ومصون من التدنيس والتبديل .
🔶( لايمَسُّه ) اللام : هنا نافيه ، وليست ناهية .. بدليل إن الفعل المضارع جاء مرفوعا ؛ ولو كانت اللام ناهية لجزمت الفعل ولصارت السين مفتوحة ( (لا يمسَه ) .
🔶والمعنى بأن الكتاب المكنون الذي فيه القرآن لايدرك حقائقه ومعارفه وأسراره إلا المطهرون .
قال الإمام المحقق سيدنا الخوئي قدس سره :
( معنى الآية المباركة أن الكتاب لعظمة معاني آياته ودقة مطالبه لا ينال فهمها ولا يدركها إلّا من طهّره اللََّه سبحانه، وهم الأئمة (عليهم السلام) لقوله سبحانه: إِنَّمََا يُرِيدُ اَللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) و ليست لها أية دلالة على حصر جواز المس ( أي مس كتابة القرآن ) للمتطهر، لأن المطهَّر غير المتطهِّر وهما من بابين، ولم يُرٓ إطلاق المطَهّّر على المتطهر كالمغتسل والمتوضي في شيء من الكتاب والأخبار. على أن الضمير في يَمَسُّهُ إنما يرجع إلى الكتاب المكنون وهو اللّوح المحفوظ، ومعنى أن الكتاب المكنون لا يمسّه إلّا المطهّرون هو ما قدّمناه من أنه لا يناله ولا يصل إلى دركه إلّا الأئمة المعصومون(عليهم السلام )..
انتهى المنقول من كلامه زيد في مقامه . التنقيح ج٤ ص ٤٧٣
♻الخلاصة : إن المس المنفي في الآية المباركة هو المس المعنوي
( المس بمعنى الإدراك والعلم )
لا المس الظاهري العضوي لكتابة القرآن الكريم .. وإن كان يحرم للمحدث ( غير المتطهر) أن بمس كتابة القرآن ، ولكن هذا الحكم استفيد من أدلة أخرى لا من هذه الآية .
والآية الكريمة تثبت فضيلة عظمى لأهل البيت عليهم السلام وصلتهم الفريدة والمخصوصة بحقائق القرآن....
فهم المعنيون بقوله تعالى :
( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ) العنكبوت ٤٩
وقوله تعالى ؛
( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران ٧
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين المطهرين
خادم العترة الهادية
-----
إضاءة قرآنية (٨)
( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران ٧
♻التفسير :
الآية المباركة تقرر بأن القرآن الكريم يشتمل على آيات محكمة وآيات متشابهة والناس إزاء القرآن صنفان :
🔶١- من زاغت قلوبهم اي مالت عن الحق وهؤلاء يتبعون ماتشابه من القرآن ( ابتغاء الفتنة﴾ أي لطلب الضلال والإضلال وإفساد الدين على الناس ، وقيل لطلب التلبيس على ضعفاء الخلق عن مجاهد ، وقيل لطلب الشرف والمال كما سمى الله المال فتنة في مواضع من كتابه ، وقيل المراد بالفتنة هاهنا الكفر وهو المروي عن أبي عبد الله الصادق .
﴿وابتغاء تأويله﴾ ولطلب تأويله على خلاف الحق .
🔶٢- المؤمنون الحقيقيون وهم الذين يرجعون في فهم القرآن الى الراسخين في العلم ويأخذون التأويل الحق للقرآن عن طريقهم
🌼السؤال: من يعلم تأويل القرآن
حسبما ورد في قوله تعالى :
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي العلم ) ؟
الجواب
القول الأول : الذي يعلم التأويل هو الله تعالى وكذلك الراسخون في العلم فعلى هذا تكون ( الواو) في قوله تعالى : ( إلاالله و الراسخون) هي واو العطف فكلمة الراسخون معطوفة على لفظ الجلالة - الله - .
قال في مجمع البيان؛ وهذا قول ابن عباس .. وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) فإنه قال : ( (كان رسول الله أفضل الراسخين في العلم قد علم جميع ما أنزل الله عليه من التأويل والتنزيل وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله وهو وأوصياؤه من بعده يعلمونه )
٢- القول الثاني : إن الذي يعلم تأويل متشابه القرآن هو الله تعالى فقط، أما الراسخون في العلم فلا يعلمون بالتأويل ولكنهم يؤمنون به فقط .
وعلى هذا ف ( الواو) في قوله تعالى ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) هي واو استئنافية ؛ وكلمة (الراسخون ) بداية لجملة جديدة
وخبرها جملة فعلية ( يقولون آمنا به)
وهذا هو القول الشائع عند أهل السنة ،
والملاحظ بأن هذا القول هو قول عائشة وعروة بن الزبير والحسن ومالك واختيار الكسائي والفراء
كما في مجمع البيان .
💫ولا يخفى موقف هؤلاء من أهل البيت عليهم السلام .
💥تلاحظ في نسخ المصحف أنهم قد وضعوا علامة الوقف بعد لفظ الجلالة ( وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ ) قلى : يعني الوقف أولى ، لأن نساخ المصحف يأخذون بقول عائشة وعروة وهو انحصار علم التأويل بالله .
🌕من هم الراسخون في العلم ؟
قال مولانا أمير المؤمنين ع ( أين الذين زعموا أنهم الرّاسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يُستعطى الهُدى، ويُستجلى العمى،)
فالراسخون في العلم بالنحو الأتم والأوفي هم أهل البيت عليهم السلام كما تظافرت الروايات وتشهد بذلك سيرتهم العملية .. وشهد لهم فقهاء واعلام الأمة ، وتلك آثارهم تدل عليهم ..!!
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي في تفسيره التحرير والتنوير ولنعم ماقال:
(المراد بالراسخين في العلم، الذين تمكّنوا في علم الكتاب ومعرفة محامله، وقام عندهم من الأدلّة ما أرشدهم إلى مراد الله تعالى بحيث لا تروج عليهم الشبه.
والرسوخ في كلام العرب: الثبات والتمكّن في المكان؛ يقال: رسخت القدم ترسخ رسوخاً إذا ثبتت عند المشي ولم تتزلزل، واستعير الرسوخ لكمال العقل والعلم بحيث لا تضلّله الشبه، ولا تتطرّقه الأخطاء غالباً، وشاعت هذه الاستعارة حتّى صارت كالحقيقة. فالراسخون في العلم، الثابتون فيه العارفون بدقائقه، فهم يحسنون مواقع التأويل ويعلمونه .... الخ )
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
-------
إضاءة قرآنية (٩)
قوله تعالى ( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) القارعة ٨-٩
التفسير
🔶معاني (الأم ) كما في القاموس:
الوالدة .. وامرأة الرجل المسنّة .. و المسكن .. و خادم القوم .
فيكون معنى قوله تعالى ( فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) أي مسكنه الهاوية ،
أي المكان الذي يسكن فيه ويقيم هي الهاوية .
🔶وقيل: المراد بأمه (أم رأسه )والمعنى فأم رأسه هاوية أي ساقطة فيها لأنهم يُلقون في النار على أم رأسهم، ولكن هذا القول بعيد ، لأن الضمير في قوله: ﴿وما أدراك ما هيه﴾ يعود على الهاوية التي وصفت بأنها نار حامية . ولا يناسب أن يعود الضمير على أم الرأس .
والهاوية من أسماء النار ـ نستجير بالله منها ـ والظاهر أنها مأخوذة من الهوي لأن من يدخلها يُلقى فيهوي فيها لبعد قعرها .
وجيء بالجملة الاسمية ( فأمه هاوية : حيث المبتدأ والخبر) للدلالة على الاستقرار والثبات وفيه إشعار بالدوام والخلود في النار ؛ فيكون ذلك قرينة على إن الموضوع هو الكافر ، والقدر المسلّم إن ذلك لغير المؤمن .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
------
إضاءة قرآنية (١٠)
براءة النبي ابراهيم عليه السلام
( قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ )
الأنبياء ٦٢ ـ ٦٣
( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ )
الصافات ٨٨ ـ ٩٠
كذبة مفضوحة :
أخرج أصحاب الصحاح والسنن من طرق كثيرة عن أبي هريرة : انّ رسول اللّه (ص) قال : لم يكذب إبراهيم (عليه السلام) غير ثلاث كذبات : ثنتين في ذات اللّه : قوله : ( إنّي سقيم ) وقوله : ( بل فعله كبيرهم هذا ) وقوله في سارة : ( هي أُختي ).
💥بيان و تفنيد :
قالوا بأن ابراهيم كذب حينما قال:
( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) لأنه هو الذي كسر الأصنام وعلق الفأس في رقبة كبيرهم ، فلماذا ينسب الفعل الى كبيرهم ؟؟
والجواب :
يتحقق الكذب فيما لو كان ابراهيم يخبر عن إرادة جدية بما يقول ، أي لو كان يقصد الإخبار عن الواقع . ولكن عندنا قرائن تدل على إن إبراهيم كان يقصد بقوله ( بل فعله كبيرهم ) الاستهزاء والسخرية وإلفات قومه الى سخف عقولهم ، وكيف يعبدون أصناما لا تستطيع ان تحمي نفسها !! .. ومما يدل على إن ابراهيم قد قصد بكلامه الاستهزاء سبق تهديده بالكيد لأصنامهم
( وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ )
🔶وهناك جواب آخر وهو :
إن ابراهيم لم يكذب لأنه نسب الفعل إلى كبيرهم مشروطاً بكونهم ينطقون ( بل فعله كبيرهم هذا فاسئَلوهم إن كانوا ينطقون ) فكأنّه قال : فعل كبيرهم هذا العمل إن كانت الأصنام المكسورة ناطقة ،
وانّما يلزم الكذب لو نسبه على وجه التنجيز .. وبما أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه ، وكان الشرط ـ أعني نطقها ـ منتفياً كان المشروط ـ أي كون الكبير قائماً بهذا الفعل ـ منتفياً أيضاً.
🔶🔶الآية الثانية : ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ )
جاء في كتب التأريخ والتّفسير، أنّ عبدة الأصنام في مدينة بابل كان لهم عيد يحتفلون به سنوياً، يهيّئون فيه الطعام داخل معابدهم، ثمّ يضعونه بين يدي آلهتهم لتباركه، ثمّ يخرجون جميعاً إلى خارج المدينة، وفي آخر اليوم يعودون إلى معابدهم لتناول الطعام والشراب.
وبذلك خلت المدينة من سكّانها، فاستغلّ إبراهيم (ع) هذه الفرصة الجيّدة لتحطيم الأصنام .
وحين دعاه قومه ليلا للمشاركة في مراسمهم (فقال إنّي سقيم).
وبهذا الشكل إعتذر عن مشاركتهم.
قالوا بأن الخليل وحاشاه كذب عندما قال (إِنِّي سَقِيمٌ ) أي مريض
ونقول: إن الكذب يتحقق فيما إذا قال ابراهيم ذلك وهو لم يكن مريضا واقعا .. ومن أين يحصل العلم بذلك ؟
مالمانع إن الله تعالى قد أمرض خليله إبراهيم لكي يتخلف عن مرافقة قومه ، ليبقى في المدينة ويحطم الأصنام ؟
وبالتالي فنحن في غنىً عن التكلف بالقول بأن مرض ابراهبم كان مرضا روحيا مما يراه من كفر قومه .. أو إنه قال ذلك على سبيل التورية !!
أما الفقرة الثالثة في الحديث المتقول :
( قوله في سارة: هي أختي )
نقول : هذا ورد في التوراة المحرفة فلا نقيم له وزنا .
وفي قاموس الكتاب المقدس ص ١٠ :
(فارتحل ( ابراهيم) من هناك إلى مصر وهناك خوفاً على حياته ، ذكر لفرعون أن ساراي ( سارة) أخته دون أن يذكر أنها زوجته ... الخ )
🌼لطيفة من الفخر الرازي
وقد تكلّم الفخر الرازي على هذا الحديث وأبطله، وعبَّر عن رواته بالحشويّة، فانظر الى نصّ كلامه حيث قال:
(واعلم أنّ بعض الحشوية روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ما كذب إبراهيم الاّ ثلاث كذبات.
🔅فقلت: الأولى أن لا يقبل مثل هذه الأخبار.
🔅فقال ـ على طريق الاستنكار ـ ان لم نقبله لزمنا تكذيب الرواة.
🔅فقلت له: يا مسكين، ان قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم عليه السلام، وان رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة، ولا شكّ أنّ صون إبراهيم عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب ). انتهى .
تفسير الرازي ج٢٦ ص١٤٨
الخلاصة : إن النبي إبراهيم عليه السلام بطل التوحيد الخالص لم تصدر منه كذبة قط ، فهو النبي الكريم المعصوم من الزلل من أول عمره الى آخره .
والحمد لله أولا وآخرا .. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
خادم العترة الهادية
-------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق