" وقد أذعن له جميع علماء عصره ومن تأخّر عنه بعلوّ المقام، والرئاسة في العلوم النقلية والعقلية وسائر الكمالات النفسانية، حتّى أنّ الشيخ الفقيه الأكبر جعفر النجفي (كاشف الغطاء) ـ مع ما هو عليه من الفقاهة والزهادة والرئاسة ـ كان يمسح تراب خفّه بحنك عمامته، وهو من الذين تواترت عنه الكرامات ولقائه الحجّة صلوات الله عليه، ولم يسبقه في هذه الفضيلة أحد فيما أعلم إلّا السيّد رضي الدين علي بن طاووس ".
هذه هي الكلمات التي وصف بها العالم والمحدث الكبير النوري الطبرسي- أعلى الله درجاته - آية الله العظمى السيد محمد مهدي بحر العلوم وقد ورد ذكر ذلك في كتاب خاتمة مستدرك للعلامة المحدث النوري.
اسمه الكامل : السيّد محمّد مهدي ابن السيّد مرتضى بن محمّد بحر العلوم الطباطبائي، وهو من سلالة الإمام الحسن عليه السلام .
لقد كان السيد محمد مهدي بحر العلوم من العلماء الأفذاذ الذين يندر وجود نظراء لهم, وقد جمع من الكمالات الشيء الكثير.
كان بحرا في العلم و علما من أعلام الفلسفة والمعارف الإسلامية , وهو علم من أعلام الزهد والتقوى والإخلاص والعبادة والانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى.
عبر عنه الشيخ أبو علي الحائري(قدس سره) في منتهى المقال بقوله : " السيّد السند، والركن المعتمد، مولانا السيّد مهدي ابن السيّد مرتضى... وأدام علوّه ونعماه، الإمام الذي لم تسمح بمثله الأيّام، الهمّام الذي عقمت من إنتاج شكله الأعوام، سيّد العلماء الأعلام، وولي فضلاء الإسلام، علّامة دهره وزمانه، ووحيد عصره وأوانه ".
وبسبب وصول هذا العالم العظيم إلى مقامات عالية في العرفان و السلوك والسير إلى الله سبحانه وتعالى فقد أكرمه الله بكرمات ذكرتها الكتب التي أشارت إلى سيرته ومن بين تلك الكرامات :
الأولى : عندما كانت تشكل عليه بعض المسائل كان يأتي إلى قبر جده الإمام علي عليه السلام و يسأله مباشره وكان الإمام علي عليه السلام يجيب على استفساراته بشكل مباشر.
الثانية : عندما كان يأتي لأداء صلاة الفجر في الحضرة العلوية المقدسة فإن باب الصحن العلوي كان ينفتح له تلقائيا مع أنه كان مقفلا.
الثالثة : تظليل الغمامة له في الصيف الحار في طريق كربلاء، حيث كان بصحبته بعض طلبته المتميزين ، كالعلامة الشيخ حسين نجف.
الرابعة : أنه كان كثير اللقاء بالإمام المهدي عليه السلام, وكان السيد محمد مهدي بحر العلوم يخفي ذكر ذلك ومع ذلك فقد اشتهر وانتشر تكرر لقاءاته بالإمام المهدي عليه السلام, وكان يطرح على الإمام عليه السلام ما يصعب عليه من مسائل وكان الإمام عليه السلام يجيبه عنها دون حجاب.
ولا غرابة في ذلك فإن الإمام الرضا عليه السلام هو من بشر والده بعظمة مكانة السيد مهدي فقد رأى أبوه السيّد مرتضى في منامه الإمام الرضا-عليه السلام- وهو يناول شمعة كبيرة ويعطيها إلى خادمه محمّد بن إسماعيل، فيشعلها محمّد بدوره على سطح دار السيّد مرتضى، فيعلو سناها إلى عنان السماء ويطبق الخافقين، فينتبه السيّد مرتضى من نومه قبيل الفجر وإذا بالحلم يتحقّق، فيولد ابنه السيّد محمّد مهدي.
أما سبب تسميته ببحر العلوم فهذا اللقب أطلقه عليه أستاذه الفيلسوف الكبير السيّد محمّد مهدي الإصفهاني, عندما وجد فيه النبوغ و الفطنة و سرعة الفهم واستيعاب المسائل و القواعد الفلسفية, خاطبه في أحد جلسات الدروس التي كان يحضرها أثناء وجوده بخراسان قائلا له : " إنّما أنت بحر العلوم".
ومن ذلك اليوم اشتهر السيد محمد مهدي بحر العلوم بهذا اللقب, بل إن اللقب حمله من جاء من ذريته فسموا آل بحر العلوم نسبة إلى السيد ومن المعروف أن أسرة آل بحر العلوم من الأسر العلمية المعروفة في العراق و قد أنجبت العديد من العظماء والعلماء.
وقد كان السيد متعدد المواهب فقد كان فقيها عظيما و علما بارزا من أعلام الأصول و متضلعا بعلم الحديث وخبيرا بعلم الرجال و أديبا و شاعرا له ذائقة شعرية فهو من أقطاب " معركة الخميس " الأدبية ،حيث دخل فيها حكما في مساجلة شعراء النجف وأدبائها .
ذكر الخوانساري في روضات الجنات كلمات أحد طلبته في حفه وهو الميرزا محمد بن عبد الصانع النيسابوري :أنه كان فقيها محققا مدققا ثقة ورعا ، نادرة عصره ، انتهت رياسة الإمامية في آخر عمره إليه ، واتفقت الطائفة على فقهه وعدالته حضرت مجلس إفاداته أياما في أيام مجاورتنا بمشهد الغري .
وقد كانت عبر عن الفترة التي عاشها السيد بحر العلوم بأنها عصر النهضة العلمية في النجف الأشرف ، وقد بلغ طلابه نحو عشرة آلاف طالب من بينهم أعلام عظام نحو :
الشيخ جعفر الكبير ( صاحب كشف الغطاء )
السيد عبد الله شبر
السيد علي الطباطبائي ( صاحب الرياض )
الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي
الشيخ محمد مهدي النراقي
أشير إل بعض القصص التي تشير إلى لقاء السيد محمد بحر العلوم بالإمام المهدي عليه السلام و قد ذكر تلك القصص العلامة حسين النوري في كتابه جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة عليه السلام : الصفحات 240- 235
الحادثة الأولى :
عن المولى السلماسي رحمه الله تعالى قال : كنت حاضرا في محفل إفادته – اي السيد بحر العلوم - فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغراء في الغيبة الكبرى و كان بيده الآلة المعروفة لشرب الدخان المسمى عند العجم بغليان فسكت عن جوابه و طأطأ رأسه و خاطب نفسه بكلام خفي أسمعه .
فقال ما معناه : ما أقول في جوابه و قد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره.
الحادثة الثانية :
عن المولى السلماسي رحمه الله تعالى قال : صلينا مع جنابه – أي السيد بحر العلوم قدس سره - في داخل حرم العسكريين (ع) ، فلما أراد النهوض من التشهد إلى الركعة الثالثة عرضته حالة فوقف هنيئة ثم قام.
و لما فرغنا تعجبنا كلنا ،و لم نفهم ما كان وجهه ، و لم يجترئ أحد منا على السؤال عنه إلى أن أتينا المنزل ، و أحضرت المائدة فأشار إلي بعض السادة من أصحابنا أن أسأله منه .
فقلت : لا !
فقالوا : و أنت أقرب منا .
فالتفت رحمه الله إلي و قال : فيم تقاولون ؟
قلت و كنت أجسر الناس عليه : إنهم يريدون الكشف عما عرض لكم في حال الصلاة.
فقال : إن الحجة عجل الله تعالى فرجه دخل الروضة للسلام على أبيه (ع) فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنور إلى أن خرج منها .
الحادثة الثالثة :
عن ناظر أموره في أيام مجاورته بمكة ، قال : كان رحمه الله مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الأهل و الإخوة قوي القلب في البذل و العطاء ، غير مكترث بكثرة المصارف ، فاتفق في بعض الأيام أن لم نجد إلى درهم سبيلا فعرفته الحال ، و كثرة المئونة ، و انعدام المال فلم يقل شيئا ، و كان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح ، و يأتي إلى الدار فيجلس في القبة المختصة به ، و نأتي إليه بغليان فيشربه ثم يخرج إلى قبة أخرى تجتمع فيها تلامذته من كل المذاهب فيدرس لكل على مذهبه.
فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفود النفقة و أحضرت الغليان على العادة فإذا بالباب يدقه أحد فاضطرب أشد الاضطراب !
و قال لي : خذ الغليان و أخرجه من هذا المكان !
و قام مسرعا خارجا عن الوقار و السكينة و الآداب ففتح الباب و دخل شخص جليل في هيئة الأعراب و جلس في تلك القبة .
و قعد السيد عند بابها في نهاية الذلة و المسكنة و أشار إلي أن لا أقرب إليه الغليان.
فقعدا ساعة يتحدثان ثم قام ، فقام السيد مسرعا و فتح الباب و قبل يده ، و أركبه على جمله، الذي أناخه عنده و مضى لشأنه .
و رجع السيد متغير اللون ، و ناولني براة ، و قال : هذه حوالة على رجل صراف قاعد في جبل الصفا و اذهب إليه و خذ منه ما أحيل عليه.
قال فأخذتها و أتيت بها إلى الرجل الموصوف فلما نظر إليها قبلها .
و قال :علي بالحماميل .
فذهبت و أتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له ريال فرانسه يزيد كل واحد على خمسة قرانات العجم ، و ما كانوا يقدرون على حمله فحملوها على أكتافهم ، و أتينا بها إلى الدار.
و لما كان في بعض الأيام ذهبت إلى الصراف لأسأل منه حاله ، و ممن كانت تلك الحوالة فلم أر صرافا !و لا دكانا !!
فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصراف !
فقال : ما عهدنا في هذا المكان صرافا أبدا و إنما يقعد فيه فلان!!
فعرفت أنه من أسرار الملك المنان و ألطاف ولي الرحمن.
الحادثة الرابعة :
عن السيد مرتضى صهر السيد بحر العلوم أعلى الله مقامه على بنت أخته ، - و كان مصاحبا له في السفر و الحضر مواظبا لخدماته في السر و العلانية - .
قال : كنت معه في سرمنرأى في بعض أسفار زيارته ، و كان السيد ينام في حجرة وحده ، و كان لي حجرة بجنب حجرته ، و كنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل و النهار ، و كان يجتمع إليه الناس في أول الليل إلى أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي.
فاتفق أنه في بعض الليالي قعد على عادته و الناس مجتمعون حوله، فرأيته كأنه يكره الاجتماع و يحب الخلوة ، و يتكلم مع كل واحد بكلام فيه إشارة إلى تعجيله بالخروج من عنده ، فتفرق الناس و لم يبق غيري ، فأمرني بالخروج ، فخرجت إلى حجرتي متفكرا في حالته في تلك الليلة ، فمنعني الرقاد فصبرت زمانا ، فخرجت متخفيا لأتفقد حاله فرأيت باب حجرته مغلقا فنظرت من شق الباب ، و إذا السراج بحاله ، و ليس فيه أحد فدخلت الحجرة فعرفت من وضعها أنه ما نام في تلك الليلة.
فخرجت حافيا متخفيا أطلب خبره و أقفو أثره ، فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة ، فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثرا ، فدخلت الصحن الأخير الذي فيه السرداب فرأيته مفتح الأبواب.
فنزلت من الدرج حافيا متخفيا متأنيا بحيث لا يسمع مني حس ، و لا حركة فسمعت همهمة من صفة السرداب ، كان أحدا يتكلم مع الآخر ، و لم أميز الكلمات إلى أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها ، و كان دبيبي أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ! فإذا بالسيد قد نادى في مكانه هناك : يا سيد مرتضى ما تصنع و لم خرجت من المنزل.
فبقيت متحيرا ساكتا كالخشب المسندة فعزمت على الرجوع قبل الجواب ثم قلت في نفسي : كيف تخفي حالك على من عرفك من غير طريق الحواس !
فأجبته : معتذرا نادما !
و نزلت في خلال الاعتذار إلى حيث شاهدت الصفة ، فرأيته وحده واقفا تجاه القبلة ليس لغيره هناك أثر ، فعرفت أنه يناجي الغائب عن أبصار البشر عليه سلام الله الملك الأكبر، فرجعت حريا لكل ملامة غريقا في بحار الندامة إلى يوم القيامة.
الحادثة الخامسة :
عن المولى محمد سعيد الصدتوماني - و كان من تلامذة السيد بحر العلوم رحمه الله - : أنه جرى في مجلس السيد بحر العلوم قدس سره الشريف ذكر قضايا مصادفة رؤية المهدي (ع ) حتى تكلم هو في جملة من تكلم في ذلك ، فقال : أحببت ذات يوم أن أصل إلى مسجد السهلة في وقت ظننته فيه فارغا من الناس ، فلما انتهيت إليه وجدته غاصا بالناس ، و لهم دوي و لا أعهد أن يكون في ذلك الوقت فيه أحد.
فدخلت فوجدت صفوفا صافين للصلاة جامعة ، فوقفت إلى جنب الحائط على موضع فيه رمل ، فعلوته لأنظر هل أجد خللا في الصفوف فاسدة ، فرأيت موضع رجل واحد في صف من تلك الصفوف فذهبت إليه و وقفت فيه.
فقال رجل من الحاضرين : هل رأيت المهدي (ع) فعند ذلك سكت السيد !
و كأنه كان نائما ثم انتبه ، فكلما طلب منه إتمام المطلب لم يتمه .
الحادثة السادسة : ذكرها العلامة النوري في الصفحة (302)
عن الشيخ زين العابدين السلماسي قدس الله :
أن السيد الجليل بحر العلوم أعلى الله مقامه ورد يوما في حرم أمير المؤمنين عليه آلاف التحية و السلام فجعل يترنم بهذا البيت :
?ه خوش است صوت * قرآن ز تو دل ربا شنيدن.
و الترجمة بالمعنى (ما أجمل سماع صوت القرآن من قلبك الطاهر)
فسئل رحمه الله عن سبب قراءته هذا البيت .
فقال : لما وردت في الحرم المطهر رأيت الحجة (ع) جالسا عند الرأس يقرأ القرآن بصوت عال ، فلما سمعت صوته قرأت البيت المزبور ، و لما وردت الحرم ترك قراءة القرآن و خرج من الحرم الشريف .
هذه هي الكلمات التي وصف بها العالم والمحدث الكبير النوري الطبرسي- أعلى الله درجاته - آية الله العظمى السيد محمد مهدي بحر العلوم وقد ورد ذكر ذلك في كتاب خاتمة مستدرك للعلامة المحدث النوري.
اسمه الكامل : السيّد محمّد مهدي ابن السيّد مرتضى بن محمّد بحر العلوم الطباطبائي، وهو من سلالة الإمام الحسن عليه السلام .
لقد كان السيد محمد مهدي بحر العلوم من العلماء الأفذاذ الذين يندر وجود نظراء لهم, وقد جمع من الكمالات الشيء الكثير.
كان بحرا في العلم و علما من أعلام الفلسفة والمعارف الإسلامية , وهو علم من أعلام الزهد والتقوى والإخلاص والعبادة والانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى.
عبر عنه الشيخ أبو علي الحائري(قدس سره) في منتهى المقال بقوله : " السيّد السند، والركن المعتمد، مولانا السيّد مهدي ابن السيّد مرتضى... وأدام علوّه ونعماه، الإمام الذي لم تسمح بمثله الأيّام، الهمّام الذي عقمت من إنتاج شكله الأعوام، سيّد العلماء الأعلام، وولي فضلاء الإسلام، علّامة دهره وزمانه، ووحيد عصره وأوانه ".
وبسبب وصول هذا العالم العظيم إلى مقامات عالية في العرفان و السلوك والسير إلى الله سبحانه وتعالى فقد أكرمه الله بكرمات ذكرتها الكتب التي أشارت إلى سيرته ومن بين تلك الكرامات :
الأولى : عندما كانت تشكل عليه بعض المسائل كان يأتي إلى قبر جده الإمام علي عليه السلام و يسأله مباشره وكان الإمام علي عليه السلام يجيب على استفساراته بشكل مباشر.
الثانية : عندما كان يأتي لأداء صلاة الفجر في الحضرة العلوية المقدسة فإن باب الصحن العلوي كان ينفتح له تلقائيا مع أنه كان مقفلا.
الثالثة : تظليل الغمامة له في الصيف الحار في طريق كربلاء، حيث كان بصحبته بعض طلبته المتميزين ، كالعلامة الشيخ حسين نجف.
الرابعة : أنه كان كثير اللقاء بالإمام المهدي عليه السلام, وكان السيد محمد مهدي بحر العلوم يخفي ذكر ذلك ومع ذلك فقد اشتهر وانتشر تكرر لقاءاته بالإمام المهدي عليه السلام, وكان يطرح على الإمام عليه السلام ما يصعب عليه من مسائل وكان الإمام عليه السلام يجيبه عنها دون حجاب.
ولا غرابة في ذلك فإن الإمام الرضا عليه السلام هو من بشر والده بعظمة مكانة السيد مهدي فقد رأى أبوه السيّد مرتضى في منامه الإمام الرضا-عليه السلام- وهو يناول شمعة كبيرة ويعطيها إلى خادمه محمّد بن إسماعيل، فيشعلها محمّد بدوره على سطح دار السيّد مرتضى، فيعلو سناها إلى عنان السماء ويطبق الخافقين، فينتبه السيّد مرتضى من نومه قبيل الفجر وإذا بالحلم يتحقّق، فيولد ابنه السيّد محمّد مهدي.
أما سبب تسميته ببحر العلوم فهذا اللقب أطلقه عليه أستاذه الفيلسوف الكبير السيّد محمّد مهدي الإصفهاني, عندما وجد فيه النبوغ و الفطنة و سرعة الفهم واستيعاب المسائل و القواعد الفلسفية, خاطبه في أحد جلسات الدروس التي كان يحضرها أثناء وجوده بخراسان قائلا له : " إنّما أنت بحر العلوم".
ومن ذلك اليوم اشتهر السيد محمد مهدي بحر العلوم بهذا اللقب, بل إن اللقب حمله من جاء من ذريته فسموا آل بحر العلوم نسبة إلى السيد ومن المعروف أن أسرة آل بحر العلوم من الأسر العلمية المعروفة في العراق و قد أنجبت العديد من العظماء والعلماء.
وقد كان السيد متعدد المواهب فقد كان فقيها عظيما و علما بارزا من أعلام الأصول و متضلعا بعلم الحديث وخبيرا بعلم الرجال و أديبا و شاعرا له ذائقة شعرية فهو من أقطاب " معركة الخميس " الأدبية ،حيث دخل فيها حكما في مساجلة شعراء النجف وأدبائها .
ذكر الخوانساري في روضات الجنات كلمات أحد طلبته في حفه وهو الميرزا محمد بن عبد الصانع النيسابوري :أنه كان فقيها محققا مدققا ثقة ورعا ، نادرة عصره ، انتهت رياسة الإمامية في آخر عمره إليه ، واتفقت الطائفة على فقهه وعدالته حضرت مجلس إفاداته أياما في أيام مجاورتنا بمشهد الغري .
وقد كانت عبر عن الفترة التي عاشها السيد بحر العلوم بأنها عصر النهضة العلمية في النجف الأشرف ، وقد بلغ طلابه نحو عشرة آلاف طالب من بينهم أعلام عظام نحو :
الشيخ جعفر الكبير ( صاحب كشف الغطاء )
السيد عبد الله شبر
السيد علي الطباطبائي ( صاحب الرياض )
الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي
الشيخ محمد مهدي النراقي
أشير إل بعض القصص التي تشير إلى لقاء السيد محمد بحر العلوم بالإمام المهدي عليه السلام و قد ذكر تلك القصص العلامة حسين النوري في كتابه جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة عليه السلام : الصفحات 240- 235
الحادثة الأولى :
عن المولى السلماسي رحمه الله تعالى قال : كنت حاضرا في محفل إفادته – اي السيد بحر العلوم - فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغراء في الغيبة الكبرى و كان بيده الآلة المعروفة لشرب الدخان المسمى عند العجم بغليان فسكت عن جوابه و طأطأ رأسه و خاطب نفسه بكلام خفي أسمعه .
فقال ما معناه : ما أقول في جوابه و قد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره.
الحادثة الثانية :
عن المولى السلماسي رحمه الله تعالى قال : صلينا مع جنابه – أي السيد بحر العلوم قدس سره - في داخل حرم العسكريين (ع) ، فلما أراد النهوض من التشهد إلى الركعة الثالثة عرضته حالة فوقف هنيئة ثم قام.
و لما فرغنا تعجبنا كلنا ،و لم نفهم ما كان وجهه ، و لم يجترئ أحد منا على السؤال عنه إلى أن أتينا المنزل ، و أحضرت المائدة فأشار إلي بعض السادة من أصحابنا أن أسأله منه .
فقلت : لا !
فقالوا : و أنت أقرب منا .
فالتفت رحمه الله إلي و قال : فيم تقاولون ؟
قلت و كنت أجسر الناس عليه : إنهم يريدون الكشف عما عرض لكم في حال الصلاة.
فقال : إن الحجة عجل الله تعالى فرجه دخل الروضة للسلام على أبيه (ع) فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنور إلى أن خرج منها .
الحادثة الثالثة :
عن ناظر أموره في أيام مجاورته بمكة ، قال : كان رحمه الله مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الأهل و الإخوة قوي القلب في البذل و العطاء ، غير مكترث بكثرة المصارف ، فاتفق في بعض الأيام أن لم نجد إلى درهم سبيلا فعرفته الحال ، و كثرة المئونة ، و انعدام المال فلم يقل شيئا ، و كان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح ، و يأتي إلى الدار فيجلس في القبة المختصة به ، و نأتي إليه بغليان فيشربه ثم يخرج إلى قبة أخرى تجتمع فيها تلامذته من كل المذاهب فيدرس لكل على مذهبه.
فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفود النفقة و أحضرت الغليان على العادة فإذا بالباب يدقه أحد فاضطرب أشد الاضطراب !
و قال لي : خذ الغليان و أخرجه من هذا المكان !
و قام مسرعا خارجا عن الوقار و السكينة و الآداب ففتح الباب و دخل شخص جليل في هيئة الأعراب و جلس في تلك القبة .
و قعد السيد عند بابها في نهاية الذلة و المسكنة و أشار إلي أن لا أقرب إليه الغليان.
فقعدا ساعة يتحدثان ثم قام ، فقام السيد مسرعا و فتح الباب و قبل يده ، و أركبه على جمله، الذي أناخه عنده و مضى لشأنه .
و رجع السيد متغير اللون ، و ناولني براة ، و قال : هذه حوالة على رجل صراف قاعد في جبل الصفا و اذهب إليه و خذ منه ما أحيل عليه.
قال فأخذتها و أتيت بها إلى الرجل الموصوف فلما نظر إليها قبلها .
و قال :علي بالحماميل .
فذهبت و أتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له ريال فرانسه يزيد كل واحد على خمسة قرانات العجم ، و ما كانوا يقدرون على حمله فحملوها على أكتافهم ، و أتينا بها إلى الدار.
و لما كان في بعض الأيام ذهبت إلى الصراف لأسأل منه حاله ، و ممن كانت تلك الحوالة فلم أر صرافا !و لا دكانا !!
فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصراف !
فقال : ما عهدنا في هذا المكان صرافا أبدا و إنما يقعد فيه فلان!!
فعرفت أنه من أسرار الملك المنان و ألطاف ولي الرحمن.
الحادثة الرابعة :
عن السيد مرتضى صهر السيد بحر العلوم أعلى الله مقامه على بنت أخته ، - و كان مصاحبا له في السفر و الحضر مواظبا لخدماته في السر و العلانية - .
قال : كنت معه في سرمنرأى في بعض أسفار زيارته ، و كان السيد ينام في حجرة وحده ، و كان لي حجرة بجنب حجرته ، و كنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل و النهار ، و كان يجتمع إليه الناس في أول الليل إلى أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي.
فاتفق أنه في بعض الليالي قعد على عادته و الناس مجتمعون حوله، فرأيته كأنه يكره الاجتماع و يحب الخلوة ، و يتكلم مع كل واحد بكلام فيه إشارة إلى تعجيله بالخروج من عنده ، فتفرق الناس و لم يبق غيري ، فأمرني بالخروج ، فخرجت إلى حجرتي متفكرا في حالته في تلك الليلة ، فمنعني الرقاد فصبرت زمانا ، فخرجت متخفيا لأتفقد حاله فرأيت باب حجرته مغلقا فنظرت من شق الباب ، و إذا السراج بحاله ، و ليس فيه أحد فدخلت الحجرة فعرفت من وضعها أنه ما نام في تلك الليلة.
فخرجت حافيا متخفيا أطلب خبره و أقفو أثره ، فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة ، فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثرا ، فدخلت الصحن الأخير الذي فيه السرداب فرأيته مفتح الأبواب.
فنزلت من الدرج حافيا متخفيا متأنيا بحيث لا يسمع مني حس ، و لا حركة فسمعت همهمة من صفة السرداب ، كان أحدا يتكلم مع الآخر ، و لم أميز الكلمات إلى أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها ، و كان دبيبي أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ! فإذا بالسيد قد نادى في مكانه هناك : يا سيد مرتضى ما تصنع و لم خرجت من المنزل.
فبقيت متحيرا ساكتا كالخشب المسندة فعزمت على الرجوع قبل الجواب ثم قلت في نفسي : كيف تخفي حالك على من عرفك من غير طريق الحواس !
فأجبته : معتذرا نادما !
و نزلت في خلال الاعتذار إلى حيث شاهدت الصفة ، فرأيته وحده واقفا تجاه القبلة ليس لغيره هناك أثر ، فعرفت أنه يناجي الغائب عن أبصار البشر عليه سلام الله الملك الأكبر، فرجعت حريا لكل ملامة غريقا في بحار الندامة إلى يوم القيامة.
الحادثة الخامسة :
عن المولى محمد سعيد الصدتوماني - و كان من تلامذة السيد بحر العلوم رحمه الله - : أنه جرى في مجلس السيد بحر العلوم قدس سره الشريف ذكر قضايا مصادفة رؤية المهدي (ع ) حتى تكلم هو في جملة من تكلم في ذلك ، فقال : أحببت ذات يوم أن أصل إلى مسجد السهلة في وقت ظننته فيه فارغا من الناس ، فلما انتهيت إليه وجدته غاصا بالناس ، و لهم دوي و لا أعهد أن يكون في ذلك الوقت فيه أحد.
فدخلت فوجدت صفوفا صافين للصلاة جامعة ، فوقفت إلى جنب الحائط على موضع فيه رمل ، فعلوته لأنظر هل أجد خللا في الصفوف فاسدة ، فرأيت موضع رجل واحد في صف من تلك الصفوف فذهبت إليه و وقفت فيه.
فقال رجل من الحاضرين : هل رأيت المهدي (ع) فعند ذلك سكت السيد !
و كأنه كان نائما ثم انتبه ، فكلما طلب منه إتمام المطلب لم يتمه .
الحادثة السادسة : ذكرها العلامة النوري في الصفحة (302)
عن الشيخ زين العابدين السلماسي قدس الله :
أن السيد الجليل بحر العلوم أعلى الله مقامه ورد يوما في حرم أمير المؤمنين عليه آلاف التحية و السلام فجعل يترنم بهذا البيت :
?ه خوش است صوت * قرآن ز تو دل ربا شنيدن.
و الترجمة بالمعنى (ما أجمل سماع صوت القرآن من قلبك الطاهر)
فسئل رحمه الله عن سبب قراءته هذا البيت .
فقال : لما وردت في الحرم المطهر رأيت الحجة (ع) جالسا عند الرأس يقرأ القرآن بصوت عال ، فلما سمعت صوته قرأت البيت المزبور ، و لما وردت الحرم ترك قراءة القرآن و خرج من الحرم الشريف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق