الأربعاء، 2 يناير 2013

ما مدى تفاعل المرأة المسلمة مع النهضة الحسينية؟

للمرأة حضور قوي في واقعة الطف والنهضة الحسينية, فوجود هذه المرأة مثل دورا تكامليا من مرحلة عطاءات النهضة الحسنية. ولقد تفاوت الدور الذي قامت به النساء في ثورة عاشوراء, إذ مثلت زينب وأخواتها الدور الأبرز في ساحة الجهاد, و ساعد وجودهن على إبراز المعالم الأساسية للثورة الحينية التي جهد الأمويون في طمس معامها, ولكن السيدة زينب كانت لهم بالمرصاد, فأحبطت مكائدهم وأبانت أكاذيبهم.

لقد قامت زوجات الشهداء بأدوار مختلفة في واقعة الطف, وسأسوق بعض الأمثلة على ذلك.

تعتبر " الأسديّة" وهي زوجة علي بن مظاهر الأسدي من النساء المؤمنات الذائبات في حب أهل البيت عليهم السلام, وقد شهدت واقعة الطف مع زوجها ، وأبت أن تترك عيال الحسين عليه السلام وحدهم ، بعد أن أخبرها زوجها بما قال له الإمام الحسين عليه السلام.

جاء في معالي السبطين 1 : 340 .

ففي ليلة عاشوراء ، وحينما جمع الحسين عليه السلام أصحابه ليستعلم حالهم ، وبعد أن تكلّموا ما تكلّموا ، وخطب هو عليه السلام فيهم ، وكان ممّا قال : « ومَن كان في رحله امرأة فلينصرف بها إلى بني أسد » .

فقام علي بن مظاهر وقال : لماذا يا سيّدي ؟

فقال عليه السلام : « إنّ نسائي تُسبى بعد قتلي ، وأخاف على نسائكم من السبي » .

فمضى علي بن مظاهر إلى خيمته ، فقامت زوجته اجلالاً له ، فاستقبلته وتبسّمت في وجهه ، فقال لها : دعيني والتبسّم .

فقالت : يا ابن مظاهر انّي سمعتُ غريب فاطمة خطب فيكم ، وسمعتُ في آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما يقول .

قال : يا هذه إنّ الحسين عليه السلام قال لنا : « ألا ومَن كان في رحله امرأة فليذهب بها إلى بني عمّها ؛ لأنّي غداً اُقتل ونسائي تُسبى » .
فقالت : وما أنت صانع ؟

قال : قومي حتى الحقك ببني عمّك بني أسد .

فقامت ونطحت رأسها في عمود الخيمة وقالت : والله ما أنصفتني يا ابن مظاهر ، أيسرّك أن تُسبى بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا آمنة من السبي .

أيسرّك أن تُسلب زينب عليها السلام ازارها من رأسها وأنا أستتر بازاري .

أيسرّك أن تذهب من بنات الزهراء عليها السلام أقراطها وأنا أتزيّن بقرطي .

أيسرّك أن يبيّض وجهك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسوّد وجهي عند فاطمة الزهراء عليها السلام ، والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء .

فرجع علي بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام وهو يبكي ، فقال له الحسين عليه السلام : « ما يبكيك ؟ » .

فقال : يا سيّدي أبت الأسديّة إلاّ مواساتكم .

فبكى الحسين عليه السلام ، وقال : « جُزيتم منا خيراً » (ليتأمل القارىء هذه الكلمات العظيمة الناطقة بروح المواساة للآل الكرام:

والله ما أنصفتني يا ابن مظاهر ، أيسرّك أن تُسبى بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا آمنة من السبي .

أيسرّك أن تُسلب زينب عليها السلام ازارها من رأسها وأنا أستتر بازاري .

أيسرّك أن تذهب من بنات الزهراء عليها السلام أقراطها وأنا أتزيّن بقرطي .

أيسرّك أن يبيّض وجهك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسوّد وجهي عند فاطمة الزهراء عليها السلام ، والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء .

كما أن في هذه القصة درسا اجتماعيا في كيفية تعامل الزوجة مع زوجها, وذوبانها في حبه, وحسن معاشرته, حري ببنات الإسلام الاستفلدة منه.


ومن النساء الاتي حضرن كربلاء وأعطين دروسا عالية في التضحية هي أم خلف زوجة مسلم بن عوسجة ، و اُم ولده خلف ، اللذين استشهدا مع سيّدهما الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم عاشوراء .

وهي من المؤمنات الموالايات لأهل بيت العصمة سلام الله عليهم ، ومن المجاهدات اللواتي لقد كانت هذه المرأة على درجة عالية من الإيمان والبصيرة والثبات على المبدأ , وقد شهدت مع زوجها واقعة الطف, وعاشت أحداث مقتل زوجها مسلم بن عوسجة رضوان الله عليه, وبدلا من أن تبكي لمقتل زوجها نراها تبعث بفلذة كبدها خاف إلى أرض الجهاد بين يدي الإمام الحسين عليه السلام

قال ذبيح الله المحلاتي في رياحين الشريعة نقلاً عن عطاء الله الشافعي في كتاب روضة الأحباب : لما رأى خلف مقتل أبيه برز مثل الأسد ، فقال له الحسين عليه السلام : « إن خرجت وقُتلتَ ستبقى اُمك في الصحاري وحيدة » .

فوقفت اُمّه في طريقه وقالت له : يا بني اختر نصرة ابن بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على سلامة نفسك ، وإن اخترتَ سلامتك لن أرضى عنك ، فبرز لهم وحمل عليهم ، و اُمه تناديه من خلفه : أبشر يا ولدي إنّك ستُسقى من ماء الكوثر ، فقتلَ ثلاثين منهم ، ثم نال شرف الشهادة بعدها .

وقد أرسل أهل الكوفة رأسه إلى اُمّه فاحضتنت الرأس وقبّلته وبكت ، وبكى معها آخرون . 

لينظر المرء إلى عظم هذا الموقف المتناهي في الحب والتضحية من أجل الإيمان بالهدف و الحفاظ على المبدأ. 

من النساء التي جهلها أو تجاهلها التاريخ قمر بنت عبد وقيل قمري ، المشهورة باُم وهب بنت عبد ، زوجة عبدالله بن عمير., أحد شهداء الطف.

حضرت مع زوجها عبد الله بن عمير معركة الطف وكانت داعمة له في موقفه للانضمام إلى ركب الحسين عليه السلام ، وقالت له حينما أخبرها بعزمه على نصره الحسين عليه السلام : أصبتَ أصاب الله بك وأرشد اُمورك إفعل وأخرجني معك .

روى الطبري في تاريخه : نزل الكوفة عبدالله بن عمير من بني عُليم ، واتخذ بئر الجعد داراً ، وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط يقال لها : اُم وهب بنت عبد ، فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين ، قال : فسأل عنهم ، فقيل له : يسرحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فقال : والله كنتُ على جهاد أهل الشرك حريصاً ، وإنّي لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغرّون ابن بنت نبيّهم أيسر ثواباً عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين . 
فدخل إلى امرأته اُم وهب فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد ، فقالت : أصبتَ أصاب الله بك ، وأرشد اُمورك إفعل وأخرجني معك . 

فخرج بها ليلاً حتى أتى حسيناً فأقام معه ، فلمّا دنا منه عمر بن سعد ورمى بسهم ارتمى الناس ، فلمّا ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيدالله بن زياد فقالا : مَن يبارز ليخرج إلينا بعضكم ، فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير فقال لهما الحسين : « اجلسا » . 

فقام عبدالله بن عمير الكلبي فقال : أبا عبدالله رحمك الله إئذن لي فلأخرج إليهما ، فرأى الحسين رجلاً أدم طويلاً شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين ، فقال الحسين : « إنّي لأحسبه للأقران مثالاً ، اُخرج إن شئت » . 

فخرج إليهما ، فقالا له : من أنت ؟ فانتسب لهما ، فقالا : لا نعرفك ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير . 

فقال لهما الكلبي : يا ابن الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ويخرج إليك أحد من الناس وهو خير منك ، ثم شدّ عليه فضربه بسيفه حتى برد ، فإنّه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم ، فصاح الناس به قد رهقك العبد ، فلم يبأبه له حتى غشيه فبدره الضربه فاتّقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى ، ثم مال عليه الكلبي فضربه حتى قتله ، وأقبل الكلبي مرتجزاً وهو يقول وقد قتلهما جميعاً : 

إن تُنكروني فأنا ابن كلـبِ * حسبي بيتي في عُليم حسبِي
إنّي امرءٌ ذو مرة وعصبِ * ولستُ بـالخوارِ عندَ النكبِ

إنـي زعيـمٌ لك أُمُ وهـبِ
بالطعنِ فيهم مقبلاً والضربِ
ضربُ غلامٍ مؤمنٍ بالـربِ

فأخذت اُم وهب وهي امرأته عموداً ، ثم أقبلت نحو زوجها تقول له : فداك أبي و اُمي قاتل دون الطيبين ذرية محمّد ، فأقبل إليها يردّها نحو النساء ، فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت : إنّي لن 

أدعكَ دون أن أموت معك ، فناداها الحسين فقال : « جُزيتم من أهل بيت خيراً ، ارجعي يرحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن ، فإنّه ليس على النساء قتال » ، فانصرفت إليهن . 

ثم خرجت اُم وهب تمشي إلى زوجها ـ بعد أن قُتل ـ حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول : هنيئاً لك الجنة ، فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمّى رستم : أضرب رأسها بالعمود ، فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها . 

هذا الموقف الإيماني المليء بمعاني التحية والبطولة غني عن التعليق.

إن في هذا الموقف جانب إيجابي آخر وهو تعاون الزوجين فيما بينهما على طاعة الله والسعي إلى أماكن رضاه.

اُم وهب الكلبيّة واحدة من أولئك النساء الاتي سجلن تاريخا وضاءا للمرأة الرسالية على صفحات كربلاء المشرقة , و هي أم وهب بن حبّاب الكلبي ، وقيل : اُم وهب بن عبدالله بن حبّاب الكلبي .

لقد عاينت أم وهب ما ألم بالبيت الهاشمي من خطب جسيم يوم العاشر من المحرم, ورأت إحاطة قوى الضلال بخليفة الله في أرضه, وممثل الرسالة الحقيقي , الإمام الحسين عليه السلام, فهزها هذا الموقف, وأبت إلا أن تشارك في هذه الملحمة الخالدة, لتعطي للأمة دروسا, في أن الحفاظ على الدين أهم من الحفاظ على الابناء الذين هم زينة الحياة الدنيا.

روى السيّد ابن طاووس في مقتل الحسين عليه السلام ( اللهوف في قتلى الطفوف ) :

" وخرج وهب بن حبّاب الكلبي فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكان معه امرأته ووالدته ، فرجع إليهما وقال : يا اُماه أرضيت أم لا ؟

فقالت الاُم : ما رضيت حتى تُقتل بين يدي الحسين عليه السلام .

وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك .

فقالت له اُمه : يا بُني أعزب عن قولها ، وارجع فقاتل بين يدي ابن نبيّك تَنل شفاعة جدّه يوم القيامة .

فرجع ، فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً فأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي و اُمي ، قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقبل كي يردّها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود دون أن أموت معك .

فقال الحسين عليه السلام : « جُزيتم من أهل بيت خيراً ، إرجعي إلى النساء رحمك الله » ، فانصرفت إليهن ، ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه. "


ليتمثل المرء هذا الموقف الإنساني المتصاعد في سماء التضحية, ليرى كيف كانت المرأة المسلمة تقدم كل ما تستطيع تلبية للفوز برضى الله سبحانه وتعالى, حتى لو استلزم الأمر التضحية بالزوج أو الابن, فلله درهن على هذه المواقف الرائعة.

أود أن أشير أن هذه الروح العالية في البذل والتضحية التي تجلت في نساء كربلاء, هي التي حملنها أمهات شهداء جبل عامل في لبنان, اللاتي كن يقدمن أبناءهن شهداء على أرض المقاومة والصمود, والتي تتوجت باندحار قوى اسرائيل تجر أذيال الهزيمة والخيبة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق